كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

(قد نَالَ عرشا لم ينله نائل ... جن وَلَا أنس وَلَا ديار)
وَقد روى فِي الْخَبَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تحقق بِهِ الْمَعْنى الَّذِي بَينا على هَذِه الظَّوَاهِر وَذَلِكَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَانَ ملك يَجِيء من السَّمَاء وَآخر من الأَرْض السَّابِعَة فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه من أَيْن تَجِيء قَالَ من عِنْد الله وَلَو كَانَ لَهُ حد وَنِهَايَة اسْتَحَالَ كَونه فِي جِهَتَيْنِ مختلفتين فتقرر بِهِ اسْتِحَالَة الْحَد وَالنِّهَايَة وَأَن جملَة الملكوت تَحت سُلْطَانه وَقدرته وَعلمه ومعرفته
10 - وَأَن تعلم أَن الْقَدِيم سُبْحَانَهُ لَيْسَ بجسم وَلَا جَوْهَر لِأَن الْجِسْم يكون فِيهِ التَّأْلِيف والجوهر يجوز فِيهِ التَّأْلِيف والإتصال وكل مَا كَانَ لَهُ الإتصال أَو جَازَ عَلَيْهِ الإتصال يكون لَهُ حد وَنِهَايَة وَقد دللنا على اسْتِحَالَة الْحَد وَالنِّهَايَة على الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقد ذكر الله تَعَالَى فِي صفة الْجِسْم الزِّيَادَة فَقَالَ وزاده بسطة فِي الْعلم والجسم فَبين أَن مَا كَانَ جسما جَازَت عَلَيْهِ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَلَا تجوز الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان على الْبَارِي سُبْحَانَهُ
11 - وَأَن تعلم أَن الْقَدِيم سُبْحَانَهُ لَيْسَ بِعرْض لِأَن الْعرض مِمَّا يَسْتَحِيل بَقَاؤُهُ وَلَا يكون الْخَالِق إِلَّا بَاقِيا أَيْضا فَإِن الْعرض لَا يقوم بِنَفسِهِ وَلَا يكون الْخَالِق إِلَّا قَائِما بِنَفسِهِ وَدَلِيله من كتاب الله تَعَالَى فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أطلق اسْم الْعرض على شَيْء يقل بَقَاؤُهُ أَو لَا يعد بَاقِيا فِي الْعرف وَالْعَادَة حَيْثُ قَالَ {تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا} و {هَذَا عَارض مُمْطِرنَا}
12 - وَأَن تعلم أَن الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَسْتَحِيل عَلَيْهِ الْوَلَد وَالزَّوْجَة لِأَن ذَلِك لَا يكون إِلَّا بالإتصال والمماسة وَذَلِكَ يُوجب الْحَد وَالنِّهَايَة وَقد بَينا استحالته عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وحقق الله ذَلِك بقوله {لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد}

الصفحة 159