كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

فِي قلبه مِثْقَال ذرة من الْإِيمَان وَإِنَّمَا يحصل مِثْقَال ذرة من الْإِيمَان بإعتقاد صَحِيح سليم عَن جَمِيع شوائب الْبدع والإلحاد وأنواع الْكفْر وَمَا لم يتَبَيَّن الْعَاقِل أَوْصَاف الْبدع وَأَهْلهَا لم يَتَقَرَّر لَهُ حَقِيقَة الْإِيمَان المستخلص عَن جَمِيعهَا وَكَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صدق ووعده حق وَهَذَا الَّذِي أخبر عَن وجود فرق الضلال فِيمَا بَين الْمُسلمين لَا محَالة كَائِن
وَقد اخْتلف مَشَايِخ أهل التَّحْقِيق من عُلَمَاء الْمُسلمين فِيهِ فَقَالَ بَعضهم لم يتكامل وجود هَذِه الْفرق من أهل الْبدع بَين الْمُسلمين بعد وَإِنَّمَا وجد بَعضهم وسيوجد بعدهمْ قبل يَوْم الْقِيَامَة جَمِيعهم فَإِن مَا أخبر الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَائِن لَا محَالة وَقَالَ الْبَاقُونَ وهم الَّذين يتتبعون التواريخ ويفتشون عَن المقالات المنقولة من أَرْبَاب الْمذَاهب المتسمة بسمة الْإِسْلَام أَن تَمام هَذِه الْفرق الضَّالة قد وجدت فِي زمرة الاسلام وَوَجَب على الْمَرْء المحصل أَن يُمَيّز عقيدته عَن عقائدهم الْفَاسِدَة وَدينه عَن أديانهم الضَّالة وَقد ظهر فِي بِلَاد الْإِسْلَام أَقوام من أهل الْبدع يخدعون الْعَوام وَيلبسُونَ عَلَيْهِم الْأَدْيَان وينتسبون إِلَى فريقي أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَصْحَاب الحَدِيث والرأي ويستظهرون بصدور لَا يعرف حَالهم من صُدُور أهل الْإِسْلَام ليتقوى بهم على خداع أهل الْغرَّة من الْمُسلمين ويظهرون بِهِ للأغمار أَن لَهُم الْغَلَبَة وَالْقُوَّة وَلَا يعرف الْجَاهِل بأحوالهم إِن الْبَاطِل قد يكون لَهُ جَوْلَة ثمَّ يسْقط كَمَا سَارَتْ بِهِ الامثال على لِسَان الكافة أَن الْبَاطِل يجول جَوْلَة ثمَّ يضمحل وكما يُقَال الْحق أَبْلَج وَالْبَاطِل لجلج وَقَالَ تَعَالَى {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة ويضل الله الظَّالِمين وَيفْعل الله مَا يَشَاء}
فَأَرَدْت أَن أجمع كتابا فارقا بَين الْفَرِيقَيْنِ جَامعا بَين وصف الْحق وخاصيته وَالْإِشَارَة إِلَى حججه وَوصف الْبَاطِل وحد شبهه لِيَزْدَادَ المطلع عَلَيْهِ استيقانا فِي

الصفحة 16