كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

على قدم ذَاته وَصِفَاته وَالْقَدِيم لَا يبطل وَقد دللنا عَلَيْهِ لِأَن الْبطلَان علم الْحُدُوث وَلِهَذَا قَالَ إِبْرَاهِيم الْخَلِيل لَا أحب الآفلين اسْتدلَّ بأفولة وبطلانه على حُدُوثه
28 - وَأَن تعلم أَن علمه سُبْحَانَهُ عَام فِي جَمِيع المعلومات وَقدرته عَامَّة فِي جَمِيع المقدورات وإرادته عَامَّة فِي جَمِيع الإرادات علمهَا على مَا هِيَ عَلَيْهِ وَأَرَادَ أَن يكون مَا علم أَن يكون وَأَرَادَ أَن لَا يكون مَا علم أَن لَا يكون وَلَا يجْرِي فِي مَمْلَكَته مَا لَا يُرِيد كَونه لَان شَيْئا من صِفَاته هَذِه لَو اخْتصَّ بِبَعْض لما صَحَّ أَن يكون عَاما وَمَا كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ متناهيا فِي ذَاته اقْتضى مُخَصّصا يَخُصُّهُ بِمَا اخْتصَّ بِهِ وَذَلِكَ علم الْحُدُوث وَمِمَّا يدل على أَوْصَافه من كتاب الله تَعَالَى قَوْله {وَمَا يعزب عَن رَبك من مِثْقَال ذرة} وَقَوله تَعَالَى وَكَانَ الله بِكُل شَيْء عليما وَقَوله تَعَالَى فِي معنى الْقُدْرَة وَالله على كل شَيْء قدير وَقَوله تَعَالَى الله خَالق كل شَيْء وَهل يكون الْخلق إِلَّا بِالْقُدْرَةِ وَذَلِكَ يدل على عُمُوم الْقُدْرَة فِي جَمِيع المقدورات وَجَاء فِي عُمُوم الْإِرَادَة قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلنَا لشَيْء إِذا أردناه أَن نقُول لَهُ كن فَيكون وَفِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على عُمُوم إِرَادَته وعَلى أَن كَلَامه قديم لِأَنَّهُ بَين أَنه لَا يخلق شَيْئا إِلَّا أَن يَقُول لَهُ كن وَلَو كَانَ ذَلِك مُحدثا لَكَانَ مَفْعُولا لَهُ بكن وَكَذَلِكَ الثَّانِي وَالثَّالِث ويتسلسل ذَلِك إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ وَمِمَّا يدل على عُمُوم كَلَامه فِي متعلقاته وَنفي النِّهَايَة عَنهُ قَوْله تَعَالَى قل لَو كَانَ الْبَحْر مدادا لكلمات رَبِّي لنفذ الْبَحْر قبل أَن تنفذ كَلِمَات رَبِّي وَلَو جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا وَإِذا تقرر عُمُوم قدرته وَعلمه فَاعْلَم أَنه يجوز أَن يُقَال فِي وَصفه سُبْحَانَهُ أَنه عَالم بِكُل شَيْء كَمَا يجوز أَن يُقَال أَنه عَالم بِجَمِيعِ المعلومات وَيجوز أَن يُقَال أَنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادر على جَمِيع المقدورات ويستحيل أَن يُقَال أَنه قَادر على كل شَيْء على هَذَا الْإِطْلَاق لِأَن الْقَدِيم شَيْء يَسْتَحِيل أَن يتَعَلَّق بِهِ الْقُدْرَة

الصفحة 166