كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

معْجزَة لَهُ قاهرة لأعدائه إِلَى معجزات كَثِيرَة سواهَا ظَهرت على يَده بِخِلَاف الْعَادة مثل تكليم الذِّرَاع وتسبيح الْحَصَى فِي يَده ونبوع المَاء من بَين أَصَابِعه وحنين الْجذع عِنْد مُفَارقَته وأجابة الشَّجَرَة عِنْد دَعوته وإنشقاق الْقَمَر فِي وقته كل ذَلِك قريب من مِائَتي معْجزَة ذكرنَا أَكْثَرهَا فِي الْأَوْسَط كل ذَلِك مَشْهُور فِي كتب الْأَخْبَار والتواريخ مَذْكُور اتّفق أهل النَّقْل على وجودهَا ونقولها بطرق يجب الْقطع على مَعْنَاهَا
35 - وَأَن تعلم أَن المعجزة لَا يجوز ظُهُورهَا على أَيدي الْكَذَّابين لِأَن التَّفْرِقَة بَين الصَّادِق والكاذب من حَيْثُ الدَّلِيل أَمر متوهم وَلَا سَبِيل إِلَيْهِ إِلَّا بتخصيص الصَّادِق بالمعجزة فَلَو أَنَّهَا ظَهرت على يَد الْكَاذِب بطرِيق التَّفْرِقَة وَجب بِهِ تناهي الْقُدْرَة وَذَلِكَ مُسْتَحِيل فِي الْحَقِيقَة وَأَيْضًا فَإِن حَقِيقَة المعجزة هِيَ الدّلَالَة على صدق صَاحب المعجزة وَمن الْمحَال الَّذِي لَا يعقل خُرُوج الشَّيْء عَن حَقِيقَته فَكيف يظْهر دَلِيل الصدْق على يَد من هُوَ كَاذِب فِي قَوْله وَذَلِكَ مُتَضَمّن لقلب الْحَقَائِق وَقد بَين الله تَعَالَى فِي كِتَابه أَن المعجزة حجَّة الصَّادِقين حَيْثُ قَالَ {قل هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين} وَقَوله تَعَالَى {قل فَأتوا بِعشر سور مثله مفتريات} وَلَو أَنَّهَا ظَهرت على أَيدي الْكَذَّابين لم تكن دلَالَة الصدْق
36 - وَأَن تعلم أَنه لَا يجب على الْخلق شَيْء إِلَّا بِأَمْر يرد من قبل الله تَعَالَى على لِسَان رَسُول مؤيد بالمعجزة وَإِن كل من أَتَى فعلا أَو ترك أمرا لم يقطع لَهُ بِثَوَاب وَلَا عِقَاب من قبل الله تَعَالَى إِذْ لَا طَرِيق فِي الْعقل إِلَى معرفَة وجوب شَيْء على الْخلق لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِي الْعقل طَرِيق إِلَى معرفَة الْوُجُوب فِي كل شَيْء فَإِن الْوُجُوب لَهُ حَقِيقَة وَاحِدَة فَلَو جَازَ مَعْرفَته مُضَافا إِلَى شَيْء جَازَ مَعْرفَته مُضَافا إِلَى كل شَيْء وَكَانَ يجب أَن يعرف بِالْعقلِ جَمِيع الْوَاجِبَات من غير وُرُود شرع وَأَصله فِي كتاب الله وَهُوَ

الصفحة 170