كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

على حَقِيقَته قولا كَانَ أَو فعلا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَجْتَمِع أمتِي على الضَّلَالَة وَلَو جَازَ اتِّفَاقهم بأجمعهم على الْكَذِب لجَاز اتِّفَاقهم على كتمان شَيْء من الشَّرِيعَة ولبطل بِهِ الِاعْتِمَاد على الدّلَالَة الموصلة إِلَى التكاليف الشَّرْعِيَّة ولسقط التَّكْلِيف والشريعة ولكان الْعلم بالبلدان النائيه والقرون الخالية والملوك الْمَاضِيَة متعذرا إِذْ لَا سَبِيل إِلَى مَعْرفَتهَا إِلَّا بِالنَّقْلِ على التظاهر والتواتر والاتفاق عَلَيْهِ من أهل النَّقْل وأصل الْإِجْمَاع من كتاب الله تَعَالَى قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا}
42 - وَأَن تعلم أَن من جملَة مَا اجْتمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ أَن عشرَة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا من أهل الْجنَّة أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد وَسَعِيد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأَبُو عُبَيْدَة الْجراح رَضِي الله عَنْهُم اجمعين وَأَجْمعُوا أَيْضا على أَن نِسَاءَهُ وَأَوْلَاده وأحفاده كلهم كَانُوا من أهل الْجنَّة وَأَنَّهُمْ كَانُوا مُؤمنين وَأَنَّهُمْ كَانُوا من أَعْلَام الدّين لم يكتموا شَيْئا من الْقُرْآن وَلَا من أَحْكَام الشَّرِيعَة وَكَذَلِكَ أَجمعُوا على خلَافَة الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة بعد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى أَنهم لم يكتموا شَيْئا من الْقُرْآن والشريعة بل سَارُوا أحسن سيره ووفقوا بِحسن السَّعْي فِي تثبيت الْمُسلمين على الدّين وَقد أثنى الله تَعَالَى فِي كِتَابه عَلَيْهِم حَيْثُ قَالَ تَعَالَى مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم تراهم ركعا سجدا يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود ذَلِك مثلهم فِي التَّوْرَاة وَمثلهمْ فِي الْإِنْجِيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فَاسْتَوَى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الْكفَّار وعد الله الَّذين أمنُوا وَعَلمُوا الصَّالِحَات مِنْهُم مغْفرَة وَأَجرا عَظِيما وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صفة أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا

الصفحة 178