كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

لَا فرق بَين شخص وشخص إِذا لم يعْتَبر فِيهِ صِفَات الْمُجْتَهدين وَلِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا الْعلم دين فانظروا عَمَّن تأخذون دينكُمْ فَثَبت بِهَذَا أَن على الْعَاميّ إِذا أَرَادَ السُّؤَال ضربا من الإجتهاد حَتَّى يُمَيّز بَين من يكون أَهلا لمعْرِفَة مَا يسْأَل عَنهُ وَبَين من لَا يكون أَهلا لَهُ وَيحصل لَهُ الْمعرفَة بطول الدِّرَايَة والتسامع
47 - وَأَن تعلم أَن من حصل لَهُ مَا ذَكرْنَاهُ من المعارف الْمَشْرُوطَة فِي صِحَة الإعتقاد فَوَاجِب عَلَيْهِ إِظْهَاره وَالْإِقْرَار بِهِ عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ والمطالبة بِهِ وَلَا يجوز لَهُ جحوده وَلَا كِتْمَانه قَالَ الله تَعَالَى {وَقُولُوا آمنا بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وَأنزل إِلَيْكُم وإلهنا وإلهكم وَاحِد وَنحن لَهُ مُسلمُونَ} وَحَقِيقَة الْإِيمَان أَن يصحح الْمعرفَة بِمَا ذَكرْنَاهُ من شُرُوط الْإِيمَان ويقر بِهِ عِنْد التَّمَكُّن مِنْهُ والأمان على النَّفس وَالْمَال وَالْحرم والأسباب وَأَن أنكرهُ عِنْد المخافة من غير أَن يُغير من اعْتِقَاده شَيْئا فَلَا حرج عَلَيْهِ فِيهِ قَالَ الله تَعَالَى {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان}
وَأعلم أَن جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ من صِفَات عقائد الْفرْقَة النَّاجِية يجب مَعْرفَته فِي صِحَة الْإِيمَان وَقد شرحناه وقررنا كل وَاحِد مِنْهَا بِدَلِيل عَقْلِي وَآخر شَرْعِي ليورد من أحكمه على الْخصم الْمقر بالشريعة الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة وعَلى الْخصم الْمُنكر للشريعة من طَبَقَات الْمُلْحِدِينَ الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة فيقوى على الْفَرِيقَيْنِ بِمَا جمعناه من الطَّرِيقَيْنِ وَلَا تكَاد تنفذ عَلَيْهِ حيل أهل الْإِلْحَاد والبدعة والخدعة عَن الدّيانَة
وَأعلم أَن جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ من اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فَلَا خلاف فِي شَيْء مِنْهُ

الصفحة 182