كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

الْإِجْمَاع وَكَيف تلِيق بهم هَذِه الصّفة الَّتِي ذكرهَا الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَمِنْهَا أَنهم يستعملون فِي الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة كتاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأجماع الْأمة وَالْقِيَاس ويجمعون بَين جَمِيعهَا فِي فروع الشَّرِيعَة ويحتجون بجميعها وَمَا من فريق من فرق مخالفيهم إِلَّا وهم يردون شَيْئا من هَذِه الْأَدِلَّة فَبَان أَنهم أهل النجَاة باستعمالهم جَمِيع أصُول الشَّرِيعَة دون تَعْطِيل شَيْء مِنْهَا
وَمِنْهَا أَن أهل السّنة مجتمعون فِيمَا بَينهم لَا يكفر بَعضهم بَعْضًا وَلَيْسَ بَينهم خلاف يُوجب التبريء والتفكير فهم إِذا أهل الْجَمَاعَة قائمون بِالْحَقِّ وَالله تَعَالَى يحفظ الْحق وَأَهله كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ أَرَادَ بِهِ الْحِفْظ عَن التَّنَاقُض وَمَا من فريق من فرق الْمُخَالفين إِلَّا وَفِيمَا بَينهم تَكْفِير وتبري يكفر بَعضهم بَعْضًا كَمَا ذكرنَا من الْخَوَارِج وَالرَّوَافِض والقدرية حَتَّى اجْتمع سَبْعَة مِنْهُم فِي مجْلِس وَاحِد فافترقوا عَن تَكْفِير بَعضهم بَعْضًا وَكَانُوا بِمَنْزِلَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى حِين كفر بَعضهم بَعْضًا حَتَّى قَالَت الْيَهُود لَيست النَّصَارَى على شَيْء وَقَالَت النَّصَارَى لَيست الْيَهُود على شَيْء وَقَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا}
وَمِنْهَا أَن فَتَاوَى الْأمة تَدور على أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فريقي الرَّأْي والْحَدِيث ومعظم الْأَئِمَّة ينتحلون مَذْهَبهم ويجتمعون على طريقهم وَهُوَ الْغَالِب على بِلَاد الْمُسلمين فهم إِذا أهل الْجَمَاعَة من سَائِر الْوُجُوه وَكلهمْ متفقون على رد مَذْهَب الروافض والخوارج والقدرية من أهل الْأَهْوَاء والبدع
وَمِنْهَا أَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَفْسِير قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه} إِن الَّذين تبيض وُجُوههم هم

الصفحة 186