كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

الْجَمَاعَة وَالَّذين تسود وُجُوههم هم أهل الْأَهْوَاء وَأهل الْأَهْوَاء هم الَّذين لَا يتابعون الْكتاب وَلَا السّنة
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى إِن الَّذين فرقوا دينهم وَكَانُوا شيعًا لست مِنْهُم فِي شَيْء فَتبين أَن الَّذين فارقوا دينهم أَو فرقوا دينهم هم لَيْسُوا على طَرِيق الْحق، وَجَمِيع من ذَكَرْنَاهُمْ من فرق الْمُخَالفين يفرقون فِيمَا بَينهم كَمَا وصفناه من اخْتلَافهمْ فَبَان بِهِ أَنهم مفارقون للدّين وَأهل السّنة وَالْجَمَاعَة متمسكون بِهِ بِعُرْوَة الْإِسْلَام وحبل الدّين مجتمعون فِي أصولهم غير مُتَفَرّقين فَكَانُوا هم أهل النجَاة دون من خالفهم فِي هَذِه الصّفة
الْفَصْل الثَّالِث من فُصُول المفاخر لأهل الْإِسْلَام وَبَيَان فَضَائِل أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَبَيَان مَا اختصوا بِهِ من مفاخرهم

اعْلَم أَنه لَا خصْلَة من الْخِصَال الَّتِي تعد فِي المفاخر لأهل الْإِسْلَام من المعارف والعلوم وأنواع الإجتهادات إِلَّا وَلأَهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي تزيينها الْقدح الْمُعَلَّى والسهم الأوفر
أما الْعُلُوم فأولها الرقي فِي مدارج الْفضل وَالْأَدب هُوَ ترجمان جَمِيع الْعُلُوم ومعرض جَمِيع الْفَوَائِد الفاخرة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِذْ لَا سَبِيل إِلَى تَفْسِير الْقُرْآن وأخبار الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا بِمَعْرِِفَة الْأَدَب وَجُمْلَة الْأَئِمَّة فِي النَّحْو واللغة من أهل الْبَصْرَة والكوفة فِي دولة الْإِسْلَام كَانُوا من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَأَصْحَاب الحَدِيث والرأي وَلم يكن فِي مشاهيرهم من تدنس بِشَيْء من بدع الروافض
188
- والخوارج والقدرية مثل أبي عَمْرو بن الْعَلَاء الَّذِي قَالَ لَهُ عَمْرو بن عبيد القدري قد ورد من الله تَعَالَى الْوَعْد والوعيد وَالله تَعَالَى يصدق وعده ووعيده فَأَرَادَ بِهَذَا الْكَلَام أَن ينصر بدعته الَّتِي ابتدعها فِي أَن العصاة من الْمُؤمنِينَ خَالدُونَ مخلدون فَقَالَ أَبُو عَمْرو فَأَيْنَ أَنْت من قَول الْعَرَب أَن الْكَرِيم إِذا وعد عَفا وَإِذا وعد وفى وافتخار قَائِلهمْ بِالْعَفو عِنْد الْوَعيد حَيْثُ قَالَ
(وَإِنِّي إِذا أوعدته أَو وعدته ... لمخلف ميعادي ومنجز موعدي)
فعده من الْكَرم لَا من الْخلق المذموم وَكَذَلِكَ لم يكن فِي أَئِمَّة الْأَدَب أحد إِلَّا وَله إِنْكَار على أهل الْبِدْعَة شَدِيد وَبعد من بدعهم بعيد مثل الْخَلِيل بن أَحْمد وَيُونُس بن حبيب وسيبويه والأخفش والزجاج والمبرد وَأبي حَاتِم

الصفحة 187