كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

الْبَاب الأول فِي بَيَان أول خلاف ظهر بعد الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي أَيَّام الصَّحَابَة أَو قَرِيبا من عَهدهم

أعلم أَن الْمُسلمين وَقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبعد وَفَاته كَانُوا على طَرِيق وَاحِدَة لم يكن بَينهم خلاف ظَاهر وَمن كَانَ بَينهم من الْمُخَالفين الْمُنَافِقين مَا كَانَ يتَمَكَّن من إِظْهَار مَا كَانَ يستسره من أخباره فَكَانَ أول خلاف ظهر بَين الْمُسلمين اخْتلَافهمْ فِي وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قَالَ قوم مِنْهُم أَنه لم يمت وَلكنه رفع كَمَا رفع عِيسَى بن مَرْيَم وارتفع هَذَا الْخلاف ببركات أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ حِين صعد الْمِنْبَر وخطب خطْبَة وتلا عَلَيْهِم قَوْله تَعَالَى {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون} ثمَّ قَالَ من كَانَ يعبد مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ وَمن كَانَ يعبد رب مُحَمَّد فَإِنَّهُ حَيّ لَا يَمُوت فسكنت النُّفُوس وإطمأنت الْقُلُوب واذعنت لَهُ الرّقاب وَاعْتَرَفت الكافة بِمَا ظهر من الْأَمر وَزَالَ الْخلاف
الثَّانِي أَنهم اخْتلفُوا فِي مَوضِع دَفنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قومإ إِنَّه يدْفن بِمَكَّة لِأَنَّهَا مولده وَبهَا قبلته وَبهَا مشاعر الْحَج وَبهَا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي وَبهَا قبر جده إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّه ينْقل إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَإِن بِهِ تربة الْأَنْبِيَاء ومشاهدهم صلوَات الرَّحْمَن عَلَيْهِم
وَقَالَ أهل الْمَدِينَة أَنه يدْفن فِي الْمَدِينَة لِأَنَّهَا مَوضِع هجرته وَأَهْلهَا أهل

الصفحة 19