كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

نصرته فَزَالَ هَذَا الْخلاف ببركة الصّديق حِين روى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْأَنْبِيَاء يدفنون حَيْثُ يقبضون فقبلوا مِنْهُ رِوَايَته وَرَجَعُوا إِلَى قَوْله ودفنوه فِي حجرته
الثَّالِث اخْتلَافهمْ فِي بَاب الامامة فَقَالَت الْأَنْصَار منا إِمَام ومنكم إِمَام وَطَالَ بَينهم الْكَلَام فِي ذَلِك حَتَّى صعد الصّديق رَضِي الله عَنهُ الْمِنْبَر وخطب ثمَّ تَلا وَعَلَيْهِم قَوْله تَعَالَى {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هم الصادقون} قَالَ فسمانا الصَّادِقين ثمَّ أَمر الْمُؤمنِينَ أَي الله تَعَالَى أَن يَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين بقوله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} وروى لَهُم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْأَئِمَّة من قُرَيْش فصدقوه فِي رِوَايَته ونزلوا على قَضيته وَاتَّفَقُوا على قَوْله فَزَالَ هَذَا الْخلاف أَيْضا ببركة الصّديق ثمَّ حدث فِيهِ خلاف قوم من الْخَوَارِج حَيْثُ قَالُوا بِجَوَاز الْخلَافَة فِي غير قُرَيْش كَمَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
الْخلاف لَا يكون خطرا إِلَّا إِذا كَانَ فِي أصُول الدّين وَلم يكن اخْتِلَاف بَينهم فِي ذَلِك بل كَانَ اخْتِلَاف من يخْتَلف فِي فروع الدّين مثل مسَائِل الْفَرَائِض فَلم يَقع خلاف يُوجب التفسيق والتبري هَكَذَا جرى الْأَمر على السداد أَيَّام أبي بكر وَعمر وَصدر من زمَان عُثْمَان ثمَّ اخْتلف فِي أَمر عُثْمَان وَخرج عَلَيْهِ قوم مِنْهُم فَكَانَ من أمره مَا كَانَ
ثمَّ بعد ذَلِك حدث الِاخْتِلَاف فِي أَمر عَليّ وَفِي حَال أَصْحَاب الْجمل وصفين وَفِي حَال الْحكمَيْنِ وَظهر من ذَلِك خلاف الْخَوَارِج فِي أَيَّام عَليّ رَضِي الله عَنهُ كَمَا

الصفحة 20