كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

عَلَيْهِم فِي كتاب الله سُبْحَانَهُ بأصرح مَا يكون حَيْثُ قَالَ انا كل شَيْء خلقناه بِقدر وَمن عرف معنى هَذِه الأية وَمَا ورد فِي مَعَانِيهَا من السّلف علم فِي الْحَقِيقَة أَن القدرى من يَجْعَل لنَفسِهِ شَيْئا من الْقدر وينفيه عَن ربه تَعَالَى الله عَن قَوْلهم وَتحقّق لَهُ أَنه لَيْسَ بقدرى من أثبت الْقُدْرَة لله ونفاها عَن نَفسه كَمَا بَينه الله تَعَالَى فِي هَذِه الْآيَة وتقرر عِنْده أَن من قَالَ بِالتَّسْلِيمِ الْكُلِّي وفوض الأمرإلى الرب الْقوي فَهُوَ من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فَمن اعْتقد أَن شَيْئا من أَفعاله لَا يكون ظلما وَلَا بَاطِلا وَأَنه لَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ فِي شَيْء مِمَّا يَأْتِيهِ أَو يذره وَلَا يَقُول كَمَا يَقُول الْقَدَرِيَّة أَن لَهُ أَن يفعل كَذَا وَلَيْسَ لَهُ أَن يفعل كَذَا وَبنى عقائده على قَوْله تَعَالَى لَا يسئل عَمَّا يفعل وهم يسئلون لم يكن قدريا وَكَانَ من الْمُقَاتلَة وَالْخُصُومَة بريا وَأي تَسْلِيم وَبَرَاءَة من الْخُصُومَة أكبر من قَول أهل السّنة إِن كل مَا جرى على العَبْد من الْمعاصِي فَهُوَ خلق من الله تَعَالَى وَهُوَ عدل مِنْهُ سُبْحَانَهُ ومعصية من العَبْد وكل مَا جرى من العَبْد من الطَّاعَات فَهُوَ خلق من الله تَعَالَى وَهُوَ من الله فضل فهما من العَبْد طَاعَة ومعصية وَمن الرب فضل وَعدل
وَقد بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خبر جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أصل الْكَلَام فِي الْقدر فَقَالَ فِي جَوَاب جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام الْإِيمَان أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْقدر خَيره وشره حلوه ومره من الله فَبين أَن الْقدر كُله من الله وَأَن لَا قدر للْعَبد فِي شَيْء الْأَشْيَاء وَكَانَ سَبَب نزُول قَوْله أَنا كل شَيْء خلقناه بِقدر إِن مُشْركي قُرَيْش جاؤوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانُوا يخاصمونه فِي الْقدر فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة إِن الْمُجْرمين فِي ضلال وسعر إِلَى آخر السُّورَة وَقَالَ

الصفحة 92