كتاب النحو المصفى

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم
مقدمة:
عاشت صورة هذا الكتاب في عقلي ووجداني زمنا طويلا، وكانت هناك مجموعة أسباب تعاونت جميعًا على هذه المعايشة الطويلة، ثم دفعتْ أخيرا إلى تنفيذه بعد أن هيّأتُ نفسي لأهلية تأليفه، ورسمت خطته التي التزمتها في كل أبوابه وأفكاره، وهذه المقدمة ينبغي أن توضح للقارئ -بإيجاز- الجانبين السابقين من دوافع التأليف والنهج الذي التزمته في تنفيذ هذا المؤلف.
من هذه الأسباب أن طول الصحبة لكتب مسائل النحو القديمة -مطولة ومختصرة، نثرا ونظما- تؤكد لدى كل منصف أن هذه الكتب صعبة الفهم على الشّادين في النحو، بل إن بعضها يتعذر استيعابه على الدارسين المتخصصين أنفسهم، وذلك لامتلائها بالحشو والفضول، أو كما يقول ابن مضاء: "بالمماحكات والتخييل" ففيها حشود من المجادلات الذهنية العقيمة وألوان من العلل والعوامل التي يسوغها منطق العقل لا منطق اللغة، يضاف لذلك كله تخريجات مجهدة واستطرادات شتى وفروع من المسائل متفرقة وغير ذلك، مما ينطمس معه وجه النحو الأصيل تحت ركام المزيف الدخيل.
لذلك أحسست -بعد طول الصحبة مع هذه المؤلفات- أن هذا الجهد المشكور للنحاة -رحمهم الله- بعضه مفيد للغة، وبعضه طفيلي معوق عن الوصول لما هو مفيد، بل إن هذا الأخير هو الغالب على مطولات النحو من مؤلفات المتأخرين، ورأيت أن الواجب بذل جهد مخلص لتخليص المفيد من الطفيلي المعوق والإبقاء على "نحو اللغة" لا "نحو الصنعة".
ومن هذه الأسباب أن تخصصي في الدراسات العليا هيأ لي -بكل ظروفه-

الصفحة 1