كتاب محاسبة النفس لابن أبي الدنيا

94 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ النَّقْدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَلِكِ بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقُلْتُ لَهَا: يَا بِنْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ، أَخْبِرِينِي عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: " §أَفْعَلُ وَلَوْ كَانَ حَيًّا مَا فَعَلْتُ، إِنَّ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ قَدْ فَرَّغَ نَفْسَهُ وَبَدَنَهُ لِلنَّاسِ كَانَ يَقْعُدُ لَهُمْ يَوْمَهُ فَإِنْ أَمْسَى وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ حَوَائِجِ يَوْمِهِ وَصَلَهُ بِلَيْلِهِ إِلَى أَنْ أَمْسَى مَسَاءً وَقَدْ فَرَغَ مِنْ حَوَائِجِ يَوْمِهِ فَدَعَا بِسِرَاجِهِ الَّذِي كَانَ يُسْرَجُ لَهُ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْعَى وَاضِعًا رَأْسَهُ عَلَى يَدِهِ تَسَايَلُ دُمُوعُهُ عَلَى خَدِّهِ يَشْهَقُ الشَّهْقَةَ فَأَقُولُ: قَدْ خَرَجَتْ نَفْسُهُ وَانْصَدَعَتْ كَبِدُهُ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ لَيْلَتَهُ حَتَّى بَرَقَ لَهُ الصُّبْحُ ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا قَالَتْ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِشَيْءٍ مَا كَانَ قَبْلَ اللَّيْلَةِ مَا كَانَ مِنْكَ؟ قَالَ: أَجَلْ فَدَعِينِي وَشَأْنِي وَعَلَيْكِ بِشَأْنِكِ قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ إِنِّي أَرْجُو أَنْ أَتَّعِظَ قَالَ: إِذًا أُخْبِرُكِ إِنِّي نَظَرْتُ إِلَيَّ فَوَجَدْتُنِي قَدْ وُلِّيتُ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا وَأَسْوَدِهَا وَأَحمْرِهَا ثُمَّ ذَكَرْتُ الْغَرِيبَ الضَّايِعَ وَالْفَقِيرَ الْمُحْتَاجَ وَالْأَسِيرَ الْمَفْقُودَ وَأَشْبَاهَهُمْ فِي أَقَاصِي الْبِلَادِ وَأَطْرَافِ الْأَرْضِ فَعَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُسَائِلِي عَنْهُمْ وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجِيجِي فِيهِمْ فَخِفْتُ أَنْ لَا يُثْبَتَ لِي عِنْدَ اللَّهِ عُذْرٌ وَلَا يَقُومَ لِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ فَخِفْتُ عَلَى نَفْسِي خَوْفًا دَمَعَتْ لَهُ عَيْنِي وَوَجِلَ لَهُ قَلْبِي فَأَنَا كُلَّمَا ازْدَدْتُ لَهَا ذِكْرًا ازْدَدْتُ لِهَذَا وَجَلًا وَقَدْ أَخْبَرْتُكِ فَاتَّعِظِي الْآنَ أَوْ دَعِي "

الصفحة 112