كتاب جمع الجوامع المعروف بـ «الجامع الكبير» (اسم الجزء: 18)
نَاوِلْنِى ذِرَاعَهَا، فَامْتَلَخَتُ الذِّرَاعَ؛ فَنَاوَلْتُها إِيَّاهُ فَأَكَلَها، ثُمَّ قَالَ: يَأُسَيْمُ، نَاوِلْنِى الذِّرَاعَ، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّكَ قُلتَ: نَاوِلْنِى فَنَاوَلْتُكَها فَأَكلتَهَا، ثُمَّ قُلتَ: نَاوِلْنِى، فَنَاوَلْتُكَها، فَأَكَلتَها، ثُمَّ قُلتَ: نَاوِلْنِى الذِّرَاعَ، وَإِنَّمَا لِلشَّاةِ ذِرَاعٌ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَهْوَيْتَ إِلَيْهَا مَا زِلْتَ تَجِدُ فِيهَا ذِرَاعًا مَا قُلتُ لَكَ، ثُمَّ قَالَ: يَأُسَيْمُ قُمْ فَاخْرُجْ فَانْظُرْ هَلْ تَرَى مَكَانًا يُوَارِى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فَخَرَجْتُ فَمَشِيتُ حَتَّى حَسَرْتُ (*) فَمَا قَطَعْتُ الْنَّاسَ وَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَرَى أَنَّهُ يُوَارِى أَحَدًا وَقَدْ مَلأَ النَّاسُ مَا بَيْنَ السَّدَّيْنِ، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتَ شَجَرًا أَوْ رَجَمًا؟ قُلتُ: بَلَى! قَدْ رَأَيْتُ نَخَلاَت صِغَارًا إِلَى جَانِبِهِنَّ رَجَمٌ مِنْ حِجَارَةٍ، فَقَالَ: يَا أُسَيْمُ اذْهَبْ إِلَى النَّخَلاَتِ، فَقُلْ لَهُن يَأمُرُكُنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَقُلْ ذَلِكَ للرَّجَمِ فَأَتَيْتُ النَّخَلاَتَ، فَقُلتُ لَهُنَّ الذى أَمَرنِى به رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَوَالَّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقِّ نَبِيّا لَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى تَعَاقُرِهِنَّ (* *) بِعُرُوقِهِنَّ وَتُرَابِهِنَّ حَتَّى لَحِقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَكُنَّ كَأَنَّهُنَّ نَخْلَةٌ وَاحَدِةٌ، وَقُلت ذَلِكَ لِلحَجَارَةِ، فَوَالَّذى بَعَثَهُ بِالْحَق نَبيّا لَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى تَعَاقُرِهِنَّ حَجَرًا حَجَرًا، حَتَّى عَلاَ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا، فَكُنَّ كَأَنَّهُنَّ جِدَارٌ، فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: خُذْ الإِدَاوَةَ، فَأَخَذْتُهَا ثُمَّ انْطَلقَنا نَمْشِى، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُنَّ سَبَقْتُهُ فَوَضَعْتُ الإِدَاوَةَ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَيْه، فَانْطَلَقَ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ، وَهُوَ يَحْمِلُ الإِدَاوَةَ، فَأَخَذْتُهَا مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعْنَا، فَلَمَّا دَخَلَ الْخِبَاءَ: قَالَ لِى: يَأُسَيْمُ! انْطِلَقْ إِلَى النَّخَلاَتِ. فَقُلْ لَهُنَّ يَأَمُرُكُنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -! أَنْ تَرْجِعَ كُلُّ نَخْلَة مِنْكُنَّ إِلى مَكَانِهَا، وقُلْ ذَلِكَ لِلحجَارَةِ، فَأتَيْتُ النَّخَلاَتَ فَقُلْتُ لَهُنَّ الَّذِى قَالَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: فَوَ الَّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى تَعَاقُرِهِنَّ وَتُرَابِهِنَّ حَتَّى عَادَتْ كُلُّ نَخْلَة مِنْهُنَّ إِلَى مَكَانِهَا، وَقُلتُ ذَلِكَ لِلحِجَارَةِ، فَوَ الَّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَكَأنِّى أَنْظُرُ إِلَى تَعَاقُرِهِنَّ حَجَرًا حَجَرًا، فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ - صلى الله عليه وسلم -".
¬__________
(*) حَسَرَ بصره: كَلَّ وانقطع نظره من طول مَدًى. مختار الصحاح.
(* *) تعاقرهن: قيل: أصله من عقر النخل، وهو أن تقطع رءوسها فتيبس. النهاية.
الصفحة 815