كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

من الإمام لا يقطع نظره، ولا يجوز خلعه؛ لما في ذلك من المفاسد، ومن الممكن أن يتوب ويسترجع؛ وعلى هذا ينطبق قول المتولي: المذهب المشهور: أنه لا ينعزل بالفسق، ولا يكون موجباً لعزله؛ لأن ذلك مختلف في كونه موجباً للعزل، فإذا عزلناه به ثارت الفتنة.
ثم قال الإمام: وهذا كله في نوادر الفسوق، فأما إذا تواصل منه العصيان، وفشا منه العدوان، وظهر الفساد، وزال السداد، وتعطلت الحقوق والحدود، وارتفعت الصيانة، ووضحت الخيانة- فلابد من استدراك هذا الأمر المتفاقم، فإن أمكن كف يده وتولية غيره بالصفات المعتبرة فالبدار البدار. وإن لم يمكن القبض على يده؛ لاستظهاره بالشوكة، إلا بإراقة دماء ومصادمة أحوال جمة الأهوال- فالوجه: أن يقاس ما [مدفوعون إليه مبتلون به بما يفرض] وقوعه في محاولة دفعه: فإن كان الواقع الناجز أكثر مما يتوقع، فيجب احتمال المتوقع، وإلا فلا يسوغ التشاغل بالدفع؛ بل يتعين الاستمرار على الأمر [الواقع] والابتهال إلى الله، عز وجل.
والذي أورده الماوردي: أن الفسق إن كان بسبب إتباع شهواته فقد خرج بذلك عن الإمامة، ولا يعود إليها بالتوبة، وإن كان لأجل شبهة تعترض، فتأول بها خلاف الحق، فقد ذهب فريق إلى أن الحكم كذلك، وقال كثيرون [من] علماء البصرة: لا يخرج به منها، ويجوز أن تعقد له الإمامة ابتداء؛ كما لا يمنع ذلك من ولاية القضاء وجواز الشهادة.
وقال فيما إذا طرأ عليه خبل في عقله: إن كان عارضاً مرجو الزوال كالإغماء، فلا يخرج به عن الإمامة، وإن [كان] لازماً لا يرجى زواله كالجنون: فإن كان

الصفحة 24