كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

خلاصه، وإن كان مأسوراً مع بغاة المسلمين، فإن كانوا قد نصبُوا لأنفسهم إماماً، فالمأسور قد خرج من الإمامة؛ بالإياس من خلاصه، وعلى أهل العدل أن ينصبوا لأنفسهم إماماً، وإن لم ينصب أهل البغي لهم إماماً فالمأسور باق [على إمامته]، وعلى أهل [العدل أن يستنيبوا عنه ناظراً يخلفه إن [لم يقدر] على] الاستنابة، وإن قدر عليها كان أحق باختيار من يستنيبه منهم، فإن نخلع المأسور نفسه أو مات، لم يصر المستناب إماماً؛ لأنها نيابة عن موجود فزالت بفقده.
قال: والأفضل أن يكون شديداً من غير عنف، أي: غير بالغ في الشدة، ليناً من غير ضعف، أي: غير بالغ في اللين؛ لما روى إسحاق عن الزهري عن ابن عباس قال: قَالَ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَمَّا ذُكِرَ أَمْرُ مَنْ يُعْهَدُ إِلَيْهِ، وَذكَرْتُ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُوْفٍ: نِعْمَ الرَّجُلُ ذَكَرْتَ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، إِنَّهُ وَاللهِ مَا يَصْلُحُ لِهَذَا الأَمْرِ يَابْنَ عَبَّاسٍ إِلَّا القَوِيُّ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، اللَّيِّنُ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ، وَالمُمْسِكُ فِي غَيْرِ بُخْلٍ، وَالجَوَادُ فِي [غَيْرِ] إِسْرَافٍ.
والمعنى في ذلك: أنه إذا كان [فيه عنف] خافه الناس؛ فلا يتمكنون من رفع حوائجهم إليه، وإذا [كان] ضعيفاً مهيناً؛ انبسطت عليه الرعية ويجير بعضهم على بعض.
والعنف: بضم العين، على المشهور، وحكى القاضي عياض في "المشارق"، وصاحب "مطالع الأنوار": ضمها وفتحها وكسرها، ونقلاه عن الإمام أبي مروان بن سراج.

الصفحة 26