كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

وشاور عليه السلام أصحابه في أسرى بدر، وشاور أهل المدينة يوم الخندق [في حفر الخندق] حتى اتفقوا عليه، وفي صلح الأحزاب على ثلث ثمار المدينة، فقالوا: إن كان الله- سبحانه- أمر بهذا فالسمع والطاعة، وإن كان غير ذلك فلا نطمعهم فينا؛ فإنهم في الجاهلية لم يكونوا ليصلوا إلى ثمره إلا بشراء أو قِرىً، فامتنعوا.
وشاور أبو بكر- رضي الله عنه- الصحابة في [أمر] الجدة أم الأم.
وشاورهم عمر- رضي الله عنه- في الجدة أم الأب، وفي دية الجنين، وفي التي أجهضت ما في بطنها.
وشاور عثمان في الأحكام.
وكان عليّ قليل المشاورة؛ فقيل: لأنه لم يبق في عصره عديل يشاوره، وقيل: لأنه قد كان شاهد استشارة قريبة فاكتفى بها.
ولم يختلف في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشاور في أمور الدنيا ومصالحها، وإنما اختلف [في] استشارته في الدين والأحكام:
فمن قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتهد، بل [ما] يقوله عن وحي- قال: لم يشاور فيها.
ومن قال: كان له الاجتهاد، قال: إنه شاور فيها، واستدل لذلك بأنه شاور في علامة تكون لأوقات صلواتهم، وشاور أصحابه في حد الزاني والشارب، فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: "هن فواحش وفيهن عقوبات"، حتى أنزل الله فيهما ما أنزل.
قال: ويلزمه النظر في مصالح الرعية من أمر الصلاة [، أي:] المفروضة على الأعيان والكفايات، والمسنونة التي من الشعائر الظاهرة، وكذا تجميع الجماعات المفروضة في الجمع والمسنونة في غيرها، والإعلام بأوقاتها، ونحو ذلك.

الصفحة 29