كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

وحراسته الملة، ولا يعتمد على التفويض تشاغلاً بلذة أو عبادة؛ فقد يخون الأمين، ويغش الناصح، وهذا وإن كان مستحقّاً عليه بحكم الدين ومنصب الخلافة، فهو من حقوق السياسة لكل مسترعى.
قال: فإذا قام الإمام بما ذكرناه من حقوق الأمة، فقد أدى حق الله- سبحانه- فيما لهم وعليهم، ووجب له عليه حقان: الطاعة، والنصرة، ما لم يتغير حاله.
وقال الرافعي: إن ذلك [واجب]، سواء كان عادلاً أو جائراً؛ لما روي أنه عليه السلام قال: "من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئاً من معاصي الله- تعالى- فليكره ما يأتي من معصية الله- تعالى- ولا ينزعن يده من طاعته".
ولا يجوز لأهل العقد والحل بعد عقد الإمامة حلها، إذا لم تخل عن شيء من صفات الأئمة باتفاق الأمة، كما قاله الإمام. نعم، لو أراد خلع نفسه فقد اضطربت مذاهب العلماء فيه: فمنعه بعضهم كما امتنع على العاقد [و] المسلمين، وهذا ما أورده صاحب "البيان" وغيره، وأجازه آخرون؛ لما صح تواتراً واستفاضة من [خلع] الحسن بن علي نفسه، ولم ينكره أحد، وفي "التتمة" حكاية المذهبين وجهين.
قال الإمام: والحق المتبع عندي: أن الإمام لو علم أنه لو خلع نفسه لاضطربت الأمور، وتزلزلت الثغور، وانجز إلى المسلمين ضرر لا قبل لهم به- فلا يجوز له ذلك، وإن علم أن خلعه نفسه [لا يضر بالمسلمين، بل يطفئ نائرة، ويحقن دماء المسلمين- فلا يمنع أن يخلع نفسه]، وهكذا كان خلع الحسن بن علي نفسه. ولو كان لا يؤثر خلعه نفسه في إلحاق ضرر ولا في تسكين نائرة، ولو خلع نفسه أقام آخر مقامه- فلست قاطعاً في ذلك جواباً، بل أرى القولين فيه متكافئين قريبي المأخذ، والأظهر عندي: أنه لو حاول استخلاء بنفسه واعتزالاً؛

الصفحة 32