كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

محمول على الخائن أو الجاهل؛ لما روى أبو داود عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الحَقَّ فَجَارَ فِي الحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ"، وأخرجه الترمذي وابن ماجة.
وقال ابن الصباغ: الأحاديث المحذرة دالة على عظم قدره [وصعوبة أمره؛ حتى لا يقدم عليه من لا يجد من نفسه قوة في دينه] وبصيرة ثاقبة في علمه، وليجتهد في طلب الحق عادلاً عن الهوى والميل، وما جاء في حديث عبد الرحمن بن سمرة والذي قبله محمول على [من سأل] ذلك لمجرد الرياسة وطلباً للنيل، ومن استحبه فإنما يستحبه إذا قصد به القربة.
وقد بالغ الإمام في "الغياثي"، فقال: الذي أراه أن القيام بما هو من فروض الكفايات أحرى بإحراز الدرجات، وأعلى في فنون القربات من فرائض الأعيان المحتومات؛ فإن ما تعين على المتعبد المكلف لو تركه ولم يقابل أمر الشرع فيه بالارتسام اختص المأثم به، ولو أقامه فهو المثاب عليه، ولو فُرِضَ تعطيل فرض من فروض الكفايات لعم المأثم الكافة على اختلاف الرتب والدرجات، فالقائم به كافٍ نفسه وكافة المخاطبين الحرج والعقاب، وأمل أفضل الثواب، ولا يهون قدر

الصفحة 44