كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

من يحل محل المسلمين أجمعين في القيام بمهم من مهمات الدين.
وعكس هذا في التعالي ما حكى ابن كج عن بعض الأصحاب: أن القضاء مكروه؛ احتجاجاً بالأحاديث المحذرة، وعبر عنه الزبيلي بأن تركه أولى، أما إذا عرض عليه ذلك وقلنا بعدم تعينه عليه، فقد قال الغزالي: الأولى القبول.
ويمكن حمل ما حكيناه عن الأصحاب على هذه الحالة، وهو الأشبه، وقال البندنيجي وأبو الطيب في حالة عدم الحاجة والخمول: إنه لا يستحب له الدخول فيه، وفي حالتي [الحاجة أو الخمول: يستحب له الدخول.
وعبارة ابن الصباغ] وصاحب المرشد في حالة عدم الحاجة والخمول: الأولى عدم الدخول؛ ليتفرغ لتعليم العلم والفتوى، وعلى هذه الحالة يحمل امتناع ابن عمر- رضي الله عنهما- عن القضاء حين دعاه عثمان، وفي حالة الحاجة أو الخمول الأولى الدخول، وحديث عبد الرحمن بن سمرة والذي ذكرناه قبله يدل لما حكاه الغزالي.
وسلك الماوردي في "الحاوي" طريقاً آخر فيما نحن فيه، فقال: للطلب خمسة أحوال: مستحب، ومحذور، ومباح، ومكروه، ومختلف فيه:
فالأول: إذا كانت الحقوق مضاعة بجور أو عجز، والأحكام فاسدة بجهل أو هوى، فيقصد بطلبه حفظ الحقوق وحراسة الأحكام؛ لأن المطلوب به أمر بمعروف ونهي عن منكر، وفي هذه الحالة يستحب له بذل المال؛ لتحصيله أيضاً.
والثاني: إذا قصد بطلبه انتقاماً من أعداء أو مكسباً بارتشاء؛ لأنه قصد به ما يأثم به، وبذل المال في هذه الحالة [لحصوله] محرم أيضاً.
والثالث: إذا قصد به استمداد رزقه من بيت المال، أو استدفاع الضرر به؛ لأن المقصود به مباح، والبذل في هذه الحالة إن كان بعد الولاية لم يحرم على الباذل، وإن كان قبله حرم عليه.
والرابع: إذا طلبه للمباهاة والاستعلاء به؛ لأن المقصود به مكروه؛ قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً} [القصص: 83]،

الصفحة 45