كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

وفي هذه الحالة بذل المال مكروه- أيضاً- والآخذ آثم في كل الأحوال.
وقد [حكى] عن ابن خيران [وابن القاص] وآخرين إطلاق القول بأن البذل محظور، وبأن قضاءه إذا ولي مردود، وحكى الماوردي عند الكلام في قبول الهدايا: أن الباذل إن كان مستغنياً عن الولاية حرم عليه البذل، وإن كان محتاجاً إليهالم يحرم.
والخامس: إذا طلبه رغبة في الولاية والنظر، فقد اختلف فيه أصحابنا والسلف قبلهم على ثلاثة مذاهب:
أحدها: يكره أن يكون له طالباً، ويكره أن يجيب إليه مطلوباً.
[والثاني: يستحب له أن يكون طالباً، وأن يجيب إليه مطلوباً].
[والثالث- قال: وهو أعدلها-: يكره أني كون طالباً، ويستحب أن يجيب إليه مطلوباً].
وإذا كان ثمن من هو أفضل منه، فالكلام في ذلك يبنى على صحة تولية القضاء للمفضول مع وجود الفاضل، [وفيه خلاف عند الأصوليين مرتب على الخلاف في انعقاد إمامة المفضول مع وجود الفاضل]، وأولى بالانعقاد، وهو الذي صححه الرافعي والغزالي، وحكاه الإمام عن الأكثرين، وقال: إنه المختار.
والفرق على هذا بين الإمامة، والقضاء: أن ما يحصل من نقض القاضي الإمام من وراء نظره فينجبر بنظر الإمام، وما فات من فضل الإمام لا جابر له.
وفرق الماوردي: بأن القضاء نيابة خاصة؛ فجاز أن يعمل فيها على اختيار المستنيب، والإمامة ولاية عامة؛ فلم يصح فيها تفريط أهل الاختيار؛ لافتياتهم على غيرهم، فإن قلنا بعدم الانعقاد كان طلبه حراماً، وكذلك القبول، ويحرم على الإمام التولية، وإن قلنا بالصحة: فإن امتنع الفاضل من القبول فهو كالمعدوم، وإن لم يمتنع فالقبول جائز إن ولي بغير مسألة، والأولى ألا يقبل.

الصفحة 46