كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

[اقتفاء] لأثره، حكى القاضي أبو الطيب: أنه [روي أن] المأمون كتب إلى الشافعي يستدعيه؛ ليولِّيه القضاء في الشرق والغرب؛ فأبى، وجعا المزني في مرض موته، ونهاه عن توليه القضاء، وأظهر له كتاب المأمون، وقال: إني لم أظهره لأحد غيرك.
وحكي- أيضاً-: أن أبا القاسم الصيدلاني المقري حدثه، فقال: كنت أمشي [مع] أبي بباب الشام، فأراني دكاكين [مختمة]، فقال: أبصر هذا؛ حتى تحكي: هذا عقار أبي علي بن خيران، استدعاه ابن الفرات للقضاء؛ فهرب؛ فختم عقاره حتى يظهر.
وروي أن أبا علي بن خيران صاحب أبي العباس ابن سريج كان يعاتب ابن سريج على توليه القضاء، ويقول له: هذا الأمر لم يكن في أصحابنا، إنما كان في أصحاب أبي حنيفة، يعني: أبا يوسف وغيره، وأول من دعي بقاضي القضاة في الإسلام: أبو يوسف، حين ولاه المهدي، ثم أقره الرشيد.
وقد حكي: أن أبا حنيفة- رحمه الله- ممن امتنع من الدخول فيه، حكى القاضي أبو الطيب: أن المنصور استدعى سفيان الثوري وأبا حنيفة وشريكاً؛ فهرب سفيان من الطريق، فعرض على أبي حنيفة [القضاء] فامتنع، وقال: أنا لا أصلح له، وعرض على شريك فاعتذر بعلل، فأزاحها وقلده القضاء.
وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في "تاريخه الكبير" وغيره: أن المنصور طلب أبا حنيفة- رحمه الله- للقضاء، فأبى، فحلف المنصور ليفعلن، وحلف أبو حنيفة: إنه لا يفعل، فقال له الربيع: يحلف أمير المؤمنين وتحلف أنت؟! فقال: أمير المؤمنين أقدر على كفارة يمينه منِّي، فحبسه المنصور أياماً، ثم أحضره، فقال [له] أبو حنيفة: يا أمير المؤمنين أنا لا أصلح للقضاء، فإن كنت صادقاً فلا أصلح، وإن كنت كاذباً فلا أصلح؛ للكذب، فرده إلى الحبس، وضربه بالسياط،

الصفحة 48