كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

يفرق] بينه وبين سائر فروض الكفايات المحوجة إلى السفر: كالجهاد، وتعلم العلم، ونحوهما؛ فإنه يمكن القيام بتلك الأمور والعود إلى الوطن، وتحمل القضاء لإيجابه له والانتقال إليه هجرة، وترك الوطن بالكلية تغريب.
قلت: وفي هذا نظر؛ لأن ابن الصباغ وغيره قالوا: إذا كان الإمام في بلد، واحتاج بلد آخر إلى قاض- فإنه يلزمه أن يبعث إليهم قاضياً؛ لأنه لا غنى بهم عنه، ولا يكلفون المصير في خصوماتهم إلى بلد الإمام، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّاً إلى اليمن قاضياً، وإذا كان بعث القاضي على الإمام متعيناً، فلا بد من مبعوث يجب عليه المضي، وحينئذ فيعود الكلام إلى تعينه؛ لكونه لا صالح له غيره، أو كونه فرض كفاية [لصلاحية جمع] له، وأيضاً فإن الإمام لو ولي البلد لواحد من غيرها مع وجود صالح فيها صح، وهذا يمنع حقيقة التعين لو كان التصوير خاصّاً بما ذكره، والله أعلم.
قال: ويجوز أن يكون في البلد قاضيان فأكثر، [ينظر كل واحد منهم في موضع؛ لأن نيابة القاضي عن الإمام فكانت على] حسب الاستنابة؛ كالوكالة، ولا فرق بين أن يكون ذلك في غير بلد الإمام، أو في بلده؛ كما جرت به العادة ببغداد، وإذا جاز ذلك في البلد الواحد؛ ففي البلاد أولى أن يجعل لكل بلد قاض، وهذا بخلاف الإمامة؛ حيث لا يجوز أن يكون في كل ناحية إمام مع القدرة على شمول نظره الناحيتين اتفاقاً؛ لأن القصد ثم جمع الكلمة، ولا يحصل مع الافتراق.
قال الماوردي: وإذا ولي في بلد قاضيان [كان] كما إذا ولي في جانب

الصفحة 50