كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

وعلى الوجهين فرعان:
أحدهما: إذا قلنا بالمنع، قال الرافعي والماوردي وغيرهما: فلو جمع بينهما في التقليد بطلت ولايتهما، وإلا صحت ولاية الأول، وبطلت ولاية الثاني.
قلت: والأشبه: بناء ذلك على أن الإمام إذا عزل [القاضي] من غير مستند، هل ينعزل؟ وفيه كلام سنذكره عند قول الشيخ: "فإن مات القاضي الكاتب"، فإن قلنا: إنه لا ينعزل، فالأمر كما قالوه؛ لأنه شبيه في هذه الحالة بالإمام، وإن قلنا: إنه ينعزل، وهو ما أورده الماوردي وغيره- كما سنذكره- فينبغي أن تكون ولاية القاضي الثاني صحيحة، متضمنة لعزل الأول، ويشهد لذلك أمران:
أحدهما: ما حكاه الماوردي من أن الإمام إذا ولى شخصاً إقليماً يعجز عن النظر في جميع نواحيه، فإن له أن يقلد فيه من ينظر فيه، وكذلك الإمام، فإذا ولى الإمام فيه شخصاً انعزل الأول عن تلك البقعة.
والثاني: أن البائع إذا باع المبيع في زمن الخيار من آخر صح بيعه للثاني، وكان فسخاً للعقد الأول على الصحيح؛ كما ذكرناه في موضعه؛ لأن العقدين لا يمكن اجتماعهما في الصورتين، بل العزل هنا أولى من الفسخ ثم؛ لأن البيوع [الأصل] فيها اللزوم، فالقدرة فيها على الفسخ على خلاف الأصل، والقضاء على الوجه الذي عليه نفرع عقد جائز؛ كالوكالة، فتطرق الرفع إليه من مقتضاه.
ومما يؤيد صحة البناء الذي ذكرته: أن الرافعي حكى عند الكلام في العزل عن بعض الشروح ذكر وجهين: في أن تولية قاض بعد قاض، هل تكون عزلاً للأول أم لا؟ ثم قال: وليكونا مبنيين على أنه هل يجوز أن يكون في البلد قاضيان؟ وهذا عين المدعي.
الثاني من الفرعين: إذا قلنا بالجواز، فإذا اتفق ذلك، قال الماوردي عند الكلام في العزل: إن اقترن بتقليد الثاني شواهد عزل الأول وانعزل بتولية الثاني، وإلا كانا شريكين في النظر، وفي هذه الحالة إذا استحضر رجلان شخصاً كل منهما إلى قاض أجاب من سبق داعيه، فإن جاءا معاً أقرع بينهما. قاله القاضي الحسين والإمام وغيرهما.

الصفحة 52