كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

استخلفتك على القضاء، استنبتك على القضاء؛ كذا قاله في "الحاوي".
وألحق الرافعي بذلك التفويض بصيغة الأمر؛ كقوله: اقض بين الناس، أو: احكم ببلدة كذا؛ كما في الوكالة.
والكنايات في ذلك أربعة- أيضاً-: قد اعتمدت عليك في القضاء، عولت عليك في القضاء، عهدت إليك القضاء، وكلت إليك القضاء. فإن اقترن بأحدها ما يزيل الاحتمال؛ كقوله: فاحكم، أو فانظر- انعقد؛ كما في الصريح، وإلا فلا.
وقد اختلف في أربعة ألفاظ، هل هي صريحة أو كناية؟ على وجهين، وهي: قد عرضت عليك القضاء، رددت إليك القضاء، جعلت إليك القضاء، أسندت إليك القضاء. وأصح الوجهين: أنها كناية، وقد عد في "الأحكام" من جملة الكنايات- كما قال الرافعي- ولم أره [كذا]: فوضت إليك القضاء. ثم قال [الرافعي]: ولا يكاد يتضح فرق بين أن يقول: وليتك القضاء، وبين أن يقول: فوضت إليك.
ولابد من قبول المولى بالقول إن كان حاضراً على الفور، فيقول: قبلت، أو: تقلدت، وإن كان غائباً جاز أن يكون قبوله على التراخي، فإن شرع في النظر قبل القبول فهل يكون شروعه فيه قبولاً؟ فيه وجهان.
قال الرافعي: وقد سبق في الوكالة خلاف في أنه هل يشترط القبول؟ وذكرنا أنه إن كان شرطاً، فالأظهر: أنه لا يعتبر الفور، فليكن ها هنا كذلك، وقد اعتبر الماوردي في صحة القبول شرطين:
أحدهما: أن يعلم استحقاق المولي لما استنابه فيه، فإن لم يعلم ذلك لم يصح قبوله.
وفي "الرافعي": أن في بعض الشروح: أن القاضي العادل إذا استقضاه أمير باغ أجابه إليه؛ لأن عائشة- رضي الله عنها- سئلت عن ذلك ما استقضى زياد؟ فقالت: إن لم يقض لهم خياركم قضى لهم شراركم.
وحكى الماوردي [في "الأحكام"] فيه مذهبين؛ حيث قال: وقد اختلف في جواز الولاية من قبل الظالم:

الصفحة 58