كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

والثالث- وهو أظهر في "الرافعي"-: إجراؤهما في الحالين.
والصحيح في "الكافي" وعند الجمهور: ما جزم به العراقيون، وقال الإمام في "الغياثي": إنه متجه في القياس، ومن قال به قال: ما ذكر من الاعتذار من تحكيم عمر وعثمان- رضي الله عنهما-[لا يصح؛ لأنه لم ينقل عنهما] أكثر من الرضا بحكمه خاصة، وذلك لا يصير به حاكماً؛ كذا قاله ابن الصباغ وغيره، وأيضاً: فإن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب حكما عبد الرحمن بن عوف في الإمامة بعد انحصارها فيهما؛ كما ذكرناه في باب أدب السلطان، فحكم لعثمان، وانعقدت بذلك إمامته، وإذا جاز ذلك في الإمامة ففي الأموال أولى، وقد روي أَنَّ وَفْداً قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفِيْهِمْ رَجُلٌ يُكَنَّى أَبَا الحَكَمِ، فَقَالَ: "لِمَ كُنيتَ أَبَا الحَكَمِ؟ فَقَالَ: لِأنَّ قَوْمِي يُحَكِّمُونَنِي بَيْنَهُمْ فَأَحْكُمُ. فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا نَهَاهُ".
وأما الثاني- وهو [وقت] لزوم الحكم- ففيه قولان كما قال:
أحدهما: أنه لا يلزم ذلك الحكم إلا أن يتراضيا به بعد الحكم؛ لأنه لما وقف على اختيارهما في الابتداء؛ وجب أن يقف على اختيارهما في الانتهاء، وهذا ما اختاره المزني.
والثاني: أنه يلزم بنفس الحكم؛ لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَرَاضِياً بِهِ، فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ"؛ فكان الوعيد دليلاً على لزوم حكمه؛ كما قال في الشهادة: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]؛ فدل الوعيد على لزوم [الحكم] بشهادته، ولأن من جاز حكمه، لزم [حكمه]؛

الصفحة 61