كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

وقد ذكر الأصحاب ما قلناه في فصل الاستحباب.
و [لا فرق] في الجنون المانع للولاية بين أن يكون مطبقاً أو متقطعاً تدوم مدته أو تقصر، وبعضها غفلة أو دهشة، فلو قصرت مدته كالساعة مثلاً، وكان يعود بعد زواله إلى حالة الاستقامة؛ ففي جواز توليته وجهان في "الحاوي"، وجه الجواز: إجراء ذلك مجرى فترات النوم.
قال: عدلاً؛ لأن ضدها- وهو الفسق- لما منع الأب من النظر في مال ولده، إذا اتصف به، مع قوة ولايته وعظم شفقته- فلأن يمنع القضاء وأحد متضمناته حفظ أموال الأيتام كان أولى.
ولا فرق في الفسق بين أن يكون بأمر لا شبهة له فيه أو له فيه شبهة.
وفي "الحاوي" حكاية وجه في صحة تولية من فسقه باعتقاد شبهة وتأويل، وقد بين في "الأحكام" المعبر عنه ها هنا بالعدل، فقال: أن يكون [صادق] اللهجة، ظاهر الأمانة، عفيفاً عن المحارم، متوقياً للمآثم، بعيداً من الريب، مأموناً في الرضا والغضب، مستعملاً لمروءة مثله في دينه ودنياه، فإن انخرم منها شيء منع الولاية؛ كما يمنع قبول الشهادة.
قال: عالماً [بالأحكام] [، أي:] الشرعية [بطريق الاجتهاد] لا بطريق التقليد؛ لقوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، [والمقلد لو قيل بصحة توليته لكان إذا استُفْتِي وحكم قافياً ما ليس له به علم؛] لأنه لا يدري طريق ذلك الحكم، ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بريدة الذي سبق: "وَرَجُلٌ قَضَى بِالنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ"، والتقليد لا يخرجه عن أن يكون [قضاء على جهل؛ لأنه لا يعرف طريقه، ولأن المقلد لا يجوز أن يكون] مفتياً؛ فأولى ألا يكون قاضياً، ووجه الأولوية: أن الفتوى إخبار لا يلزم الحكم، والقضاء إخبار يلزمه.

الصفحة 69