كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

قال القفال الشاشي- كما حكاه القاضي الحسين-: وينبغي أن يتخذ الإمام لنفسه نسخة من كتابه يمسكه حتى يتذكر به إن نسي أنه ولاه عمل [بلد كذا]، وهذا كله على وجه الاستحباب، فإن ترك الكتابة جاز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب بالعهد لمعاذ.
[قال: ووصاه بتقوى الله- تعالى- والعمل بما في العهد]؛ لأن ذلك مقصود هذه الولاية وواجبها، وكذا يوصيه بالتثبت في القضاء ومشاورة أهل العلم [ونحو ذلك]، روى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيٌّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى اليَمَنِ قَاضِياً، فَقُلْتُ: [يَا] رَسُولَ اللهِ، تُرْسِلُنِي وَأَنَا حَدِيْثُ السِّنِّ وَلَا عِلْمَ لِي بِالقَضَاءِ؟ فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ، فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنَ الأَوَّلِ؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُبَيِّنَ لَكَ القَضَاءَ"، فما زلت قاضياً أو ما شككت في قضاء بعده.
وَرُوِيَ عَنْ إِدْرِيسَ الأودي أَنَّهُ قَالَ: أَخْرَجَ إِلَيْنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ كِتَاباً فقال: هَذَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوْسَى: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ القَضَاءَ فَرِيْضَةٌ [مُحْكَمَةٌ]، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، افْهَمْ إِذَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقِّ لَا نَفَاذَ لَهُ، وَآسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَعَدْلِكَ- أَيْ: اجْعَلْهُمْ أُسْوَةً فِي ذَلِكَ- حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيْفٌ فِي حَيْفِكَ، وَلَا يَخَافَ ضَعِيفٌ مِنْ جَوْرِكَ، البَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَاليَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ النَّاسِ إِلَّا صُلْحاً أَحَلَّ حَرَاماً أَوْ حَرَّمَ حَلَالاً، فَلَا يَمْنَعْكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ بِالْأَمْسِ، فَرَاجَعْتَ فِيهِ اليَوْمَ عَقْلَكَ، وَذَهَبْتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ- أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الحَقِّ؛ فَإِنَّ الحَقَّ قَدِيمٌ، لَا يُبْطِلُ [الحَقَّ شَيءٌ]، وَمُرَاجَعَةُ الحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي البَاطِلِ، [الفَهْمَ] الفَهْمَ فِيْمَا تَلَجْلَجَ فِي صَدْرِكَ مِمَّا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ! ثُمَّ اعْرِفِ الأَشْبَاهَ وَالأَمْثَالَ، وَقِسِ الأُمُورَ بِنَظَائِرِهَا، وَاعْمَدْ إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللهِ وَأَشْبَهِهَا فِيْمَا تَرَى، وَاجْعَلْ لِلمُدَّعِي أَمَداً يَنْتَهِي إِلَيْهِ، فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً أَخَذْتَ لَهُ

الصفحة 78