كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

كما إذا كان حنفيّاً فرأى مذهب الشافعي في مسألة، أو بالعكس.
قال الماوردي في "الأحكام": وقد منع بعض الفقهاء من اعتزى إلى مذهب أن يحكم بغيره؛ لتوجه التهمة إليه. وحكاه في "الحاوي" أيضاً، وأن بعض أصحابنا وافقه، ثم قال: وهذا وإن كانت السياسة تقتضيه بعد استقرار المذاهب وتميز أهلها، فحكم الشرع لا يوجبه؛ لما يلزمه من الاجتهاد في كل ما طريقه الاجتهاد.
ولفظ الغزالي في "الوسيط" يوافق هذا الوجه؛ لأنه قال: وليس له أن يشترط على النائب [الحكم] بخلاف اجتهاده، أو بخلاف اعتقاده حيث يجوز تولية المقلد للضرورة، بل اعتقاد المقلد في حقه كالاجتهاد في حق المجتهد.
ثم على الصحيح لو شرط المولِّي على المولَّى في عقد التولية ألا يحكم إلا بمذهب بعينه- كمذهب الشافعي مثلاً- ففي "المهذب" و"التهذيب" وغيرهما: أن التولية باطلة؛ لأنه علقها على شرط، وقد بطل الشرط فبطلت التولية.
وفي "الوسيط": أنه يحكم بما توافق عليه المذهبان لا غير.
وفي "أدب القضاء" لابن أبي الدم: أن القاضي أبا منصور [بن] أبي الشيخ أبي النصر بن الصباغ قال: سألت قاضي القضاة الدامغاني عما إذا ولى القاضي الحنفي نائباً شافعيّاً، وشرط عليه ألا يحكم إلا بمذهب أبي حنيفة، هل يصح؟ فقال: نعم؛ فإن قاضي القضاة أبا حازم ولى أبا العباس بن سريج القضاء ببغداد على ألا يقضي إلا بمذهب أبي حنيفة، فالتزمه. وفي "الإشراف": أن الشرط باطل، ويحكم بما يؤدي إليه اجتهاده.
ويقرب من ذلك ما في "فتاوى" القاضي الحسين: وهو أنه لو ولاه القضاء، واشترط عليه ألا يحكم بالشاهد واليمين، ولا [على] غائب- تصح التولية، ويلغو الشرط حتى يقضي بما يؤدي إليه اجتهاده.

الصفحة 86