كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

وفي "الحاوي": أن الشرط إن كان عامّاً بأن قال: لا يحكم في جميع الأحكام إلا بمذهب الشافعي مثلاً، فالشرط باطل؛ لأنه قد منعه من الاجتهاد فيما يجب [عليه فيه] الاجتهاد، ثم ينظر: فإن أخرج ذلك مخرج الأمر بأن قال: احكم بمذهب الشافعي، أو مخرج النهي بأن قال: لا تحكم بمذهب أبي حنيفة- صح التقليد، وإن بطل ما أمره به أو نهاه عنه. وإن جعله بلفظ الشرط في العقد فقال: على أن تحكم بمذهب الشافعي، أو: على ألا تحكم بمذهب أبي حنيفة- بطل التقليد؛ لفساد الشرط؛ لأنه معقود على شرط فاسد.
قال في "الأحكام": فإن [كان] المولِّي عالماً بأنه اشترط ما لا يجوز كان قدحاً فيه، دون ما إذا لم يعلم، وإن كان الشرط خاصّاً في حكم بعينه، فإن كان أمراً فقال: أقد من المسلم بالكافر ومن الحر بالعبد، كان أمره بهذا الشرط فاسداً، فإن تجرد عن لفظ الشرط صح التقليد، وإن قرنه بلفظ الشرط بطل التقليد، وإن كان نهياً فهو على ضربين:
الأول: أن ينهاه عن الحكم في قتل المسلم بالكافر والحر بالعبد، ولا يقضي فيه بموجب قود ولا بإسقاط، فهذا شرط فاسد وتقليد صحيح؛ لأنه اقتصر بولايته على ما عداه، فصار خارجاً عن نظره.
والثاني: أن ينهاه عن القضاء بالقصاص، ولا ينهاه عن الحكم فيه، فقد اختلف أصحابنا فيه، هل [هذا النهي] يوجب صرفه عن النظر فيه؟ [على وجهين:
أحدهما: يكون صرفاً عن النظر فيه]؛ فلا يحكم فيه بإيجاب قود ولا بإسقاطه، فعلى هذا يكون التقليد صحيحاً فيما عداه.
والثاني: [أنه] لا يقتضي الصرف، وليصير النهي عنه أمراً بضده أن يقتص من المسلم بالكافر، ومن الحر بالعبد، وقد تقدم حكم الأمر بذلك، والإمام إذا شرط على القاضي الحكم بمذهب بعينه هذا شأنه.

الصفحة 87