كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

يكون مأخذه أنه منزل منزلة نفسه كما ذكرنا، ونحن فقد نمنع حكم القاضي [بعلمه]، فكذا بقول ولده، ولا كذلك الحكم؛ فإنه يجوز أن يحكم بنفسه؛ فكذلك بعضه.
قلت: بل كلام البغوي كالمصرح بأن المأخذ في المنع التهمة، ألا ترى أنه قال بعد ذلك: وكذا إذا زكى المزكي ولده، هل تقبل شهادته؟ فيه قولان؟! وعلى هذا التقدير كان يلزم الماوردي الجزم بمنع التولية؛ لأنه جزم عند الكلام [في أصحاب المسائل، وكذا الروياني والفوراني بمنع التزكية، لكن قد يقال: إن محل جزمه] بجواز التولية إذا كان ثابت العدالة عند غيره؛ فإن في هذه الحالة رجح الإمام الحكم بشهادته، والله أعلم.
قال: وإن احتاج إلى كاتب استحب أن يكون مسلماً عدلاً عاقلاً فقيهاً.
هذا الفصل [ظاهره] يقتضي أمرين:
أحدهما: جواز اتخاذ الكاتب عند الحاجة، ولاشك فيه، وقد قال القاضي أبو الطيب وغيره: إنه يستحب اتخاذه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له كتاب؛ منهم: علي بن أبي طالب، وهو الذي كتب القضية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين [قريش يوم] الحديبية، ومنهم- كما قال ابن عباس- رجل يقال له: السجل، ومنهم زيد بن ثابت، وقد رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: [قَالَ] لِيْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتُحْسِنُ العَبْرَانِيَّةَ؛ فَإِنَّ اليَهُوْدَ يَكْتُبُونَ إِلَيَّ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى كُتُبِي كُلُّ أَحَدٍ؟ " فَقُلْتُ: لَا [، قَالَ]: "فَتَعَلَّمْهَا]، [قَالَ]: فَتَعَلَّمْتُهَا فِي نِصْفِ شَهْرٍ- وَرُوِيَ: فِي بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْماً- فَكُنْتُ أَقْرَأُ كُتُبَهُمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَكْتُبُ لَهُمْ. وقد كان للخلفاء الأربعة كُتَّاب.

الصفحة 90