كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

والمعنى فيه: أن الحاكم مشغول بالحكم والاجتهاد، [فاشتغاله] بالكتابة يقطعه عن ذلك.
ومحل الاستحباب: إذا كان الكاتب لا يطلب أجراً، أو طلب وكان له رزق من بيت المال، أما إذا لم يكن في بيت المال ما يرزق منه الكاتب، فقد قال البغوي في كتاب القسمة: إنه لا يتعين في هذه الحالة [له] كاتب.
وقال القاضي الحسين ثم: [إنه] لا يجوز أن يعين له كاتباً.
والفوراني وصاحب "البحر" وغيرهما قالوا: [لا يستحب له] اتخاذ كاتب معلوم؛ لأنه يؤدي إلى التحامل على الناس، ولكنه يخلي بينهم وبين من يستأجرونه.
والأمر الثاني: ما يستحب أن يكون في الكاتب من الصفات، وقد بين منها أربعة:
إحداها: الإسلام، ووجه اعتباره قوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَالُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عمران: 118]، وقوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1]، وفي اتخاذ الكافر كاتباً اتخاذه بطانة ووليّاً، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوْسَى الأَشْعَرِيَّ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ وَمَعَهُ كَاتِبٌ نُصْرَانِيٌ، فَأَعْجَبَ عُمَرَ خَطُّهُ وَحِسَابُهُ، فَقَالَ عُمَرُ [لِأَبِي مُوْسَى:] أَحْضِرْ كَاتِبَكَ لِيَقْرَأَهُ، فَقَالَ أَبُو مُوْسَى: إِنَّهُ نَصْرَانِيٌّ لَا يَدْخُلُ المَسْجِدَ؛ فَزَبَرَهُ عُمَرُ وَقَالَ: لَا تَامَنُوْهُمْ وَقَدْ خَوَّنَهُمُ اللهُ، وَلَا تُدْنُوهُمْ وَقَدْ أَبْعَدَهُمُ اللهُ، وَلَا تُعِزُّوهُمْ وَقَدْ أَذَلَّهُمُ اللهُ!
فإن قيل: هذا يقتضي أن تكون صفة الإسلام واجبة.
قلنا: قد قال به بعض الأصحاب، ولم يورد الماوردي وأبو الطيب والبندنيجي وابن الصباغ وغيرهم سواه، وهو الصحيح.
والقائل بالأول قال: ما يكتبه لابد وأن يقف عليه القاضي، ثم يمضيه؛

الصفحة 91