كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

فتؤمن فيه الخيانة، وقد حكي عن "البيان" تصحيحه، وكأن قائله- والله أعلم- أخذ ذلك من قول الشافعي- رضي الله عنه- في "الأم": ما ينبغي لقاض ولا والٍ أن يتخذ كاتباً ذميّاً، ولا يضع الذمي موضعاً يفضل به مسلماً، ويعز على المسلمين أن يكون لهم حاجة إلى غير أهل دينهم، والقاضي أقل الخلق في هذا عذراً. انتهى. فأجرى اللفظ على ظاهره، وحمل ذلك على الكراهة، والأولون حملوه على المنع.
والثانية: العدالة، ووجه اعتبارها أن القاضي [قد يغفل عن] قراءة [ما يكتبه] الكاتب أو يقرؤه، فإذا كان عدلاً أمن منه الخيانة، بخلاف ما إذا كان فاسقاً.
وقد أطلق الماوردي وأبو الطيب وغيرهما القول باشتراط العدالة فيه، ولفظ صاحب "المرشد": ويجب أن يكون عدلاً. ووجهه الماوردي بأنه مؤتمن على إثبات الإقرار والبينات وتنفيذ الأحكام؛ فافتقر إلى صفة من تثبت به الحقوق كالشهادة.
وهذا أخذ من قول الشافعي- رضي الله عنه- في "المختصر": ولا ينبغي [أن يتخذ] كاتباً حتى يجمع أن يكون عدلاً [عاقلاً]، ويحرص أن يكون فقيهاً لا يؤتى من جهالة، نزهاً بعيداً من الطمع.
وقد حكى الوجهين [في "المهذب"] في اعتبار العدالة [كما حكاهما في الإسلام].
وعن صاحب "البيان": أنا إن اعتبرنا الإسلام اشترطنا العدالة.
ثم قد يفهم من توجيه جواز كونه كافراً [و] فاسقاً اختصاص هذا الوجه بما إذا كان القاضي كاتباً، أما إذا كان أميّاً وجوزناه فيجب القطع بالمنع؛ لفوات المعنى المجوز، والله أعلم.

الصفحة 92