كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 18)

والثالثة: العقل؛ كما أشار إليه الشافعي- رضي الله عنه- قال الأصحاب: وليس يريد به ما يتعلق به التكليف، وإنما يريد به شدة العقل والذكاء والتحصيل حتى لا يخدع أو يدلس عليه. وقد جزم القاضي أبو الطيب والماوردي وغيرهما باشتراط ذلك؛ لظاهر النص، والرافعي وافق الشيخ في استحباب ذلك.
والرابعة: الفقه؛ ليعلم صحة ما يكتبه من فساده، وقد وافق الشيخ على استحباب هذا الوصف القاضي أبو الطيب وصاحب "البحر"، وإليه يرشد قول الشافعي- رضي الله عنه-: ويحرص أن يكون فقيهاً. والمراد بالفقيه ها هنا- كما أشار إليه أبو الطيب والماوردي-: الفقيه في أحكام الكتابة، وما يتعلق بالشروط من المحاضر والسجلات، واستعمال الألفاظ الموضوعة لها، والتحرز من الألفاظ المجملة، وجودة الخط حتى يرتبها؛ فلا يترك نسخة يمكن إلحاق شيء فيها يفسد به المعنى، ويفصلها فلا يكتب سبعة مثل تسعة، وما أشبه ذلك.
وفي "ابن يونس" أنه قد قيل باشتراط وصف الفقه كما قيل باشتراطه في الأمور السابقة، وكلام الماوردي يشير إليه؛ لأنه قال: وصفة كاتب القاضي ما ذكره الشافعي- رضي الله عنه- من أوصافه، وهي أربعة: العدالة، والعقل، والفقه، والنزاهة. فإذا ظفر القاضي بمن فيه هذه الأوصاف الأربعة- وأرجو أن يظفر به- جاز أن يستكتبه. وقضية ذلك:- أيضاً- أن تكون النزاهة شرطاً- أيضاً- وهو ما يفهمه كلام صاحب "البحر" حيث قال: وتعتبر النزاهة؛ كي لا يستمال بالطبع. والقاضي أبو الطيب عطف ذلك على الفقه، فأفهم أن المراد به الاستحباب، وإليه يرشد قول الشافعي، وبه صرح الرافعي، ولما جعل الماوردي العدالة شرطاً قال: لا يجوز أن يستكتب عبداً وإن استكمل الأوصاف الأربعة؛ لأن الحرية شرط في كمال العدالة. وتبعه في ذلك الروياني. و [هو] في "تعليق" البندنيجي أيضاً.
وقضية قول من جوز أن يكون كافراً أو فاسقاً، جواز استكتاب العبد حيث يجوز استخدامه، وقد استحب الأصحاب فيه أن يكون حاسباً؛ لأنه يحتاج إليه

الصفحة 93