كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد (اسم الجزء: 18)

قال ابن هانئ: وسمعت أبا عبد اللَّه يقول: حدث عبد الرزاق حديث أبي هريرة: "النار جبار" (¬1)، إنما هو "البئر جبار" (¬2) وإنما كتبنا كتبه على
¬__________
(¬1) رواه أبو داود (4594)، والنسائي في "الكبرى" 3/ 413 (5789) وابن ماجه (2676) والدارقطني 3/ 152 (210)، والبيهقي 8/ 344 من طرق عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة به. قال الخطابي في "معالم السنن" 3/ 37: لم أزل أسمع أصحاب الحديث يقولون: غلط فيه عبد الرزاق، إنما هو البئر جبار حتى وجدته لأبي داود، عن عبد الملك الصنعاني، عن معمر، فدل أن الحديث لم ينفرد به عبد الرزاق، ومن قال: هو تصحيف البئر، احتج في ذلك بأن أهل اليمن يسمون النار، يكسرون النون منها، فسمع بعضهم على الإمالة فكتبه بالياء ثم نقله الرواة مصحفًا.
قلت: إن صح الحديث على ما روي، فإنه متأول على النار يوقدها الرجل في ملكه لأرب له فيها، فتطير بها الريح فتشعلها في بناء أو متاع لغيره من حيث لا يملك ردها، فيكون هدرًا غير مضمون عليه واللَّه أعلم. اهـ. وقال ابن حزم في "المحلى" 11/ 20: هذا خبر صحيح. ونقل ابن عبد البر عن ابن معين في "الاستذكارا" 8/ 146 أنه قال: أصله "البعير جبار" ولكنه صحفه معمر. وتعقبه ابن عبد البر فقال: في هذا نظر، ولا يسلم له حتَّى يتضح، وليس هكذا ترد أحاديث الثقات. اهـ. قال الحافظ في "الفتح" 12/ 255: ولا يعترض على الحفاظ الثقات بالاحتمالات، ويؤيده ما قال ابن معين اتفاق الحفاظ من أصحاب أبي هريرة على ذكر البئر دون النار، وقد ذكر مسلم: أن علامة المنكر في حديث المحدث أن يعمد إلى مشهور بكثرة الحديث والأصحاب، فيأتي عنه بما ليس عندهم وهذا من ذاك، ويؤيده أَيضًا أنه وقع عند أحمد من حديث جابر بلفظ "والجب جبار" بجيم مضمومة وموحدة ثقيلة وهي البئر. اهـ. وحسنه المناوي في "التيسير بشرح جامع الصغير" 2/ 895، وصححه الألباني في "الصحيحة" (2381) وقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين. اهـ.
(¬2) رواه الإمام أحمد 2/ 274، والبخاري (1499)، ومسلم (1710) من حديث أبي هريرة به.

الصفحة 71