كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 18)

وأما الثاني: فلأنه منافٍ للحكمة من وجوه، أقربها إلى الفهم اقتضاؤه أن يكون في عقوبة الزنا وحدها قرآن يبلغ آلافًا وملايينَ وأكثر من ذلك من المجلدات، فكيف يسهل نقله وحفظه وكشفه؟ وهكذا في كل حكم من الأحكام غير عقوبة الزنا.
وأما الطريقة الثانية ففيها:
أولًا: أنها لا تُغنِي، لخفاء بعض الصفات التي توجب اختلاف الجرم، كما تقدم.
وثانيًا: أنه فتحٌ لباب الظلم، وتلاعب الحكام، فهذا يداهن، وهذا يرتشي، وهذا تؤثر عليه الشفاعات، وهذا يخاف، وهذا يتهم، مع ما يلزمه من كثرة العمل الذي يكلف به الحاكم، فيستدعي ذلك كثرة الحكام، ولا سيما إذا علمنا أنه لو اختير ذلك في عقوبة الزنا انبغى أن يختار في غيرها من الأحكام، ومع ذلك فيصعب الفصل في القضايا ويتأخر، ويتعسَّر ويتعذَّر، وفي ذلك عين الفساد العام.
وأما الثالثة: فتعيين أخفِّ العقوبات لا يؤدي إلى المقصود من الزجر والتأديب، وتعيين أشدِّها قد يصادف أن يكون استحقاقه نادرًا، فيكون الغالب وقوع العقوبات على من لا يستحقُّها، وتعيين أوسطها قد يكون غلطًا، إذا فرض أن الغالب هو استحقاق الأشدِّ، أو استحقاق الأخفِّ.
وأما الرابعة: فهي العدل الممكن، ولكن يبقى معرفة الغالب، فإن العاقل قد يتردد فيه، وقد يغلط، وقد يخالفه غيره. ويبقى أيضًا تعيين العقوبة، ويبقى أيضًا أن تطبيق العقوبة على من كان من غير الغالب فيه إضرار به بغير استحقاق.

الصفحة 291