كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 18)

الطعام، وليس عنده ثمنه، ولا يجد من يُقرِضه، فيحتاج إلى اشترائه بنسيئة، وقد يحتاج إلى طعام مخصوص فلا يجده في السوق، فيحتاج أن يُسلِم فيه، ليذهب المُسلَم إليه، فيفتش عنه طمعًا في الربح، وقد يخشى أن يسبقه الناس إلى الطعام عند حصاده، ولاسيما التجار، فيبادر بالإسلام فيه، ليأمن أن يسبقه غيره، ويحتاج صاحب الأرض إلى دراهم فلا يجد من يُقرِضه، فيطلب من يُسلِم إليه في طعام إلى الحصاد.
فلو حُرِّم أن يباع الطعام وغيره من السلع نَسيئةً إلَّا بمثل ثمنه نقدًا، لامتنع الباعة من ذلك؛ لأن أحدهم يقول للطالب: هذه الآصُع العشرة التي تطلبها بعشرة دراهم نَساءً، يرغب فيها غيرك بعشرة دراهم نقدًا، فأي الأمرين أنفع إليَّ: أبيعها نقدًا بعشرة دراهم، ثم أشتري بالدراهم سلعة أخرى طعامًا أو غيره، ثم أبيع بربح، وهكذا .. فقد لا يجيء الحصاد إلا وقد ربحت في العشرة عشرة ربحًا حلالًا، أم أبيعك إياها بعشرة دراهم إلى الحصاد؟
ويقول صاحب الدراهم لصاحب الأرض: أيهما خير لي، أشتري بالعشرة الدراهم عشرة آصُعٍ نقدًا ثم أبيعها، ثم أشتري وأبيع، فقد لا يجيء الحصاد إلا وقد ربحت في العشرة عشرة ربحًا حلالًا، وحينئذٍ أشتري منك أو من غيرك بعشرة دراهم خمسة عشر صاعًا، أو أقل من ذلك وأكثر من عشرة، أم أُسلِمها إليك في عشرة آصُعٍ إلى الحصاد؟
أقول: فلو مُنِع من الزيادة أدى ذلك إلى انقطاع بيع النَساء والسلم، وفي ذلك من الضيق ما فيه، ولعلَّ الناس يضطرون حينئذٍ إلى ارتكاب ما حرمه الشرع، وارتكابُ حرامٍ واحدٍ يُجرِّئ على ارتكاب غيره، وفي ذلك من الفساد ما فيه.

الصفحة 299