كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 18)

العهدة عندنا من هذا ... واختار جمع كثير من أصحابنا المتأخرين والذين قبلهم ما ذكرناه من المواطأة قبل، وإلزام الوعد بمقتضى مذهب من أوجبه للضرورة في الحاجة إلى الثمن، مع قلة الراغب في المبيع إلا بغبن كثير، فقصدوا التخلص منه بشرط أن له أن يفكَّه عند قدرته، ومشوا على ذلك حتى ألزمت به الحكام، ورتبوا عليه الأحكام".
أقول: مالك وأصحابه رحمهم الله بريئون من هذه المعاملة، ومن المواعيد عندهم ما يأمرون بالوفاء بها، ولكن يقولون: ليس للحكام الإلزام بها قضاءً، ومنها ما إذا كان تمهيدًا لعقد ينزل عندهم منزلة الشرط في ذلك العقد، فيبطل العقد ويحرم. ومنها: غير ذلك. بل النذر عندهم لا يلزم به إلا ما لا يصح وقوعه إلا قربة.
وفي "الشرح الكبير" مع المتن: " (وإنما يلزم به) أي النذر (ما ندب) ".
قال الدسوقي في حواشيه: "يعني مما لا يصح أن يقع إلا قربةً، وأما ما يصح وقوعه تارة قربةً، وتارة غيرها فلا يلزم بالنذر، وإن كان مندوبًا، كالنكاح والهبة [هـ بن] ". (ج ٢ ص ١٤٤).
وأما ما ذكره صاحب "القلائد" عنهم فمحله فيما ارتبط بسبب فيه كلفة على الموعود؛ لأنه صار في معنى الإجارة أو الجعالة.
وقوله: "أعطني كذا، وأنا أُعطيك كذا" في معنى البيع، فإن وقع الوعد في بيع الوفاء قبل العقد فهي مواطأة مفسدة، كما سيأتي عن المالكية، وإن وقع في صلب العقد فأولى، وإن وقع بعد لزوم العقد فقد صرحوا بأنه وعد لا يلزم الوفاء به، كما سيأتي.

الصفحة 326