كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 18)

نعم إن ثمن المثل يزيد وينقص، فقوله: "بغبن كثير" إن أراد بالنسبة إلى ثمن المثل في الزمان والمكان فمردود، فإن وقع فنادرًا، والنادر لا يكون مسوِّغًا لحكم عامّ، وإن أراد بالنسبة إلى ما يطلب البائع من الثمن، فلا التفات إلى ذلك.
الأمر الثالث: أنه على فرض أن ما قلنا: إنه نادر هو واقع بكثرة، فمن أين لكم أن من اضطر إلى القوت ولم يقرضه أحد، وعنده قطعة أرض ثمنها ألف، فعرضَها فلم يرغب فيها أحد إلا بخمسمائة، أنه يكون مضطرًّا تحلُّ له المحرمات، ولا يبيع أرضه بخمسمائة؟ وأين في الشريعة هذا؟
الأمر الرابع: أنه لو فرضنا أن هناك حجةً شرعية على هذا، لما كان ذلك مسوِّغًا لأن تجعلوا هذا حكمًا عامًّا للمضطر إلى القوت وغيره، ولمن لا يجد راغبًا إلا بغبن فاحش، ومن يجد راغبًا بثمن المثل وأكثر منه، بل يُناط الحكم بتحقق هذا المعنى، أعني الاضطرار مع عدم وجود راغب [ص ٢٧] إلا بغبن فاحش، فيرخص لمن كان كذلك فقط.
الأمر الخامس: أن الرخصة ــ على فرض جواز القول بها ــ إنما تتصور في حق المالك، فما بالكم رخَّصتم للمشترين، ونفَّذ حُكَّامكم لهم هذه المعاملة؟
فإن قالوا: لو لم تُنفِّذ لهم الحكام ذلك امتنعوا عن المعاملة به، فيتضرر المضطرون.
قلت: فقد كان عليكم أن تعلنوا بحرمة ذلك، وإثم الآخذ به، وإنكم مع ذلك لا تُبطِلون المعاملة إذا تحقق اضطرار البائع.

الصفحة 342