كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 18)

أقول: أما على ما قاله الجصَّاص في «أحكام القرآن» (¬١): إن البيع «تمليكُ المال بمالٍ بإيجابٍ وقبولٍ عن تراضٍ منهما» فلا يخفى دخول القرض مطلقًا، ولكن العلماء أخرجوا القرض بأن الشارع لم ينظر إلى تَلَف العين، بل نزَّل ما يردُّه المستقرض منزلة العين المأخوذة، فكأنها قائمة لم تتلَفْ، وإنما انتفع المستقرض بها ثم ردَّها كالعارية سواء. وقد أكثر صاحب الاستفتاء من النقل عنهم، ولخَّصنا ذلك فيما تقدم، وبينَّا أن إعراضَ الشارع عما هو واقع من تلَف العين المعطاةِ وكونَ المردود غيرَها بدلاً عنها= إنما كان تسهيلاً للمعروف والصلة وفعل الخير. فإذا انتفى المعروف والصلة وفعل الخير، وحلَّ محلَّها ما يناقضُها، وهو اغتنام المقرِض ضرورةَ المستقرض، فيذبحه كما تقول العامة، وقد أشار القرآن إلى ذلك، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}.
فسَّرها ابن جرير بقوله (¬٢): «ولا يقتلْ بعضكم بعضًا وأنتم أهل ملَّةٍ واحدة ودعوةٍ واحدةٍ ودينٍ واحد، فجعل جلَّ ثناؤه أهلَ الإسلام كلَّهم بعضهم من بعض، وجعل القاتل منهم قتيلاً في قتله إياه منهم بمنزلة من قتلَ نفسَه». ثم روى معنى ذلك عن السُّدّي وعطاء.
أقول: فإذا انتفى السبب الذي لأجله نزَّل الشارعُ الواقعَ بمنزلة غيرِ الواقع، وحلَّ محلَّه ما يناقضُه، فكيف يبقى أثره؟ وإذا لم يبقَ أثرُه لم يكن لنا
---------------
(¬١) (١/ ٤٦٩).
(¬٢) تفسيره (٦/ ٦٣٧). ط. دار هجر.

الصفحة 429