كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 18)
وفي «التحفة» (¬١) وغيرها التعليل بأن الموصي حالَ بين الوارث وبين المنفعة، ويتعذر تقويم المنفعة للجهالة. قال في «التحفة»: «فيتعيَّن تقويم الرقبة مع منفعتها، فإن احتملها الثلث لزمت الوصية في الجميع، وإلا ففيما يحتمله، فلو ساوى العبد بمنافعه مئةً وبدونها عشرةً، اعتبرت المئة كلها من الثلث، فإن وفى بها فواضح، وإلّا كأن لم يفِ إلا بنصفها صار نصف المنفعة للوارث، والذي يتجه في كيفية استيفائها أنهما يتهايآنها» (¬٢).
فالمنفعة هي المقصودة، وأما العين فليست إلّا آلةً لها ووسيلةً إليها، فهاهم أقاموا المنفعة مقامها مع الرقبة، حتى قوَّموها بقيمة الرقبة والمنفعة، ولم ينظروا إلى الرقبة إذ لا فائدة فيها. فلتُعتبر في الوقف المنفعة لا الرقبة. وإذا رأيت مسألة «التحفة» في تعليق عتق العبد بخدمة بعض الأولاد، وأن ذلك يحتاج إلى الإجازة= علمتَ أن هذا أولى وأحرى.
والمقصود من الوقف ليس هو حبس الرقبة عن أن يتصرف فيها، وإنما المقصود هو الصدقة الجارية كما توضِّحه نصوصهم، وبه فسَّروا الحديث، ولا يخفى أن الصدقة الجارية إنما تحصل بالمنفعة، وحبس العين وسيلة لها. ولو سلَّمنا صحة الفرق فكيف نصنع بما تقتضيه النقول السابقة، ولاسيَّما ما ذكره الشيخ عميرة عن الزركشي عن الشيخين بقوله «فرع».
وقد أطنبنا في الكلام لاقتضاء المقام، فإن مثل ذلك الإمام يتمسك بعبارته الخاص والعام، وهذا معروض على نظر سادتنا العلماء الأعلام، وعليهم الاهتمام وتوضيح المقام، والسلام.
---------------
(¬١) مع شرحه «تحفة المحتاج» (٧/ ٦٨).
(¬٢) التهايؤ: قسمة المنافع على التعاقب بصفة وقتية.
الصفحة 533
636