كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 18)

وقال القرطبي: ومن أبعد التأويلات أن النهي إنما يتناول من وهب جميع ماله لبعض ولده كما ذهب إليه سحنون، وكأنه لم يسمع في نفس هذا الحديث أن الموهوب كان غلامًا، وأنه وهبه له لما سألته الأم الهبة من بعض ماله، قال: وهذا يعلم منه على القطع أنه كان له مال غيره.
الوجه الثاني:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان أمره لبشير بالرد قبل إنفاذ بشير الصدقة؛ لأن بشيرًا إنما جاء يستشير الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأشار عليه بأن لا يفعل، فترك (¬١).
ويجاب:
بأن أكثر طرق الحديث تخالف هذا التأويل.
الوجه الثالث:
أن النعمان كان كبيرًا, ولم يكن قبض الموهوب فجاز لأبيه الرجوع ذكره الطحاوي.
ورد هذا الجواب:
أنه ورد في مسلم (قال النعمان فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذ غلام ...) (¬٢).
هذا خلاف ما في أكثر طرق الحديث أيضًا خصوصا قوله ارجعه، فإنه يدل على تقدم وقوع القبض والذي تضافرت عليه الروايات أنه كان صغيرًا، وكان أبوه قابضًا له لصغره، فأمر برد العطية المذكورة بعد ما كانت في حكم المقبوض.
---------------
(¬١) انظر شرح معاني الآثار (٧/ ٨٧).
(¬٢) صحيح مسلم (١٦٢٣).

الصفحة 654