كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 18)

ذكر دخول طُغرُلْبَك بغداد:
لمَّا قرُبَ من بغداد انزعج الناس وخافوا، فكتب إلى القائم يقول: إنما قصدُ العبد الخدمةُ الشريفة؛ ليتبرَّك بها، ويسير إلى الحجِّ وعمارة الطريق، ثم يتوجَّه إلى قتال أهل الشام ومصر. فطابت قلوبُ الناس، ولمَّا وصل النَّهروان خرج إليه وزير القائم أبو القاسم وأرباب الدولة لتلقِّيه، ولم يتخلَّف إلا القائم، فلقيه حاجب السلطان ومعه شهري (¬1)، وقال: هذا الفرس من مراكب السلطان الخاصة، وقد رسم أن تَرْكبَه. فنزل عن بغلته وركبه، واستقبله عميد الملك أبو نصر الكُنْدُري وزير السلطان ورام أن يترجَّل، فمنعه أبو القاسم، وتعانقا على ظهور دوابهما، ووصل إلى السلطان فأكرمه، وسلَّم عليه عن القائم، فأومأ إلى تقبيل الأرض، وقال: ما وردتُ إلا امتثالًا للمراسيم العالية، ومتميزًا عن ملوك خراسان بالقرب من السُّدَّة الشريفة، ومنتقمًا من أعدائها، فقال له الوزير: إن الله تعالى قد أعطاك الدنيا بأسرها فاشترِ نفسَك ببعضها {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيكَ} الآية [القصص: 77] وسأله في الملك الرَّحيم أن يُجريه مجرى أولاده ولا يُغيِّر عليه شيئًا، فإنَّ لأسلافه حقوقًا قديمة، فأعطاه يدَه على أن لا يؤذيه، وكان دخولُه إلى بغداد في رمضان، وخطب له وبعده للملك الرحيم، ثم قطعت خطبة ابن بُوَيه سلخ رمضان، وحُمِلَ إلى قلعة فاعتُقل فيها اعتقالًا جميلًا، فطُغْرُلْبَك رحمه الله أولُ من ملَكَ العراق من السلجوقية، والملكُ الرَّحيمُ آخرُ مَنْ مَلَكها من بني بُوَيه، وانتهت دولة الدَّيلم، فكانت أيامهم مئةً وتسعًا وعشرين سنة، وعددُ ملوكِهم أربعةَ عشر ملِكًا، فأوَّلهم الثلاثة الأخوة الذين استولَوا على فارس وما والاها، وهم: عمادُ الدولة أبو الحسن علي بن بُوَيه، وكان أكبرَهم، ولم يدخل بغداد، والمستكفي لقَّبه وبعث إليه بالخِلَع. وركنُ الدولة أبو علي الحسن، وكان له أربعة أولاد: عَضُد الدولة، ومؤيَّد الدولة، وفخر الدولة، وأبو العباس، وتوفِّي ركن الدولة سنة ست وستين وثلاث مئة، فكانت إمارتُه أربعًا وأربعين سنة وشهورًا. ومُعِزُّ الدولة أحمد بن بُوَيه، وهو أول من دخل بغداد من ملوكهم سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة، وتوفِّي سنة ست وخمسين وثلاث مئة، وقام
¬__________
(¬1) البرذون الشهري: يتولد بين الرّمكة والفرس العتيق. أساس البلاغة 1/ 250.

الصفحة 492