كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 18)

هذا، فإن قنع منا بإقامة الخطبة ونقشِ السَّكَّة، وحَمْلِ مالٍ من غير أن يُولِّي علينا خراسانيًّا، فنحن سامعون مطيعون، وإلا خلعنا الطاعة، واغتربنا إلى غير هذه الجهة، فإمَّا أن نعيش أعِزَّاء، أو نهلك عزيزين.
وفي ثاني عشر جمادى الآخرة استدعى الخليفةُ رئيسَ الرؤساء، وأظهر التذمُّرَ والامتعاض مما الرعية عليه، وقال: قد أُنهي إليَّ ما سمِعَتْه أُذني وشاهدَتْه عيني، ومن ارتفاع الدعاء ما أنا به مُطالب، هذا إلى ما أخافه من سريع المكافأة، وأنا مع ركن الدين بين قسمين؛ إمَّا اعتمادُ الحقِّ، واستعمالُ العدل، وإنصافُ الرعية وإعفاؤهم من كل أذيَّة، وإعادتُهم إلى مساكنهم، وصيانتُهم في معيشتهم، وأمانُهم على نفوسهم، وحراسةُ أموالهم، أو المساعدةُ على مفارقتي لهذا البلد، وبُعدي عن هذه البدع، ولا أقلَّ من اعتزالٍ عنها، والتبرِّي عند الله منها. فيستدعي منصور بن محمَّد الكُنْدُري، ويعرفه ذلك من غير مراقبةٍ في إيرادِهِ يستعملها, ولا مجافاةٍ في شَرحِهِ يقصدها، ويُحقِّق ما يكون من الجواب ويطالع به، فأرسل إلى الكُندُريّ فحضر، وأعاد عليه ما جرى، فمضى الكُنْدُريُّ إلى السلطان، وأعاد عليه ما قال، فردَّه بالجواب، وقال: أنا الخادم الطائع في كلِّ حال، وما علمتُ بما جرى، ولا أمرتُ به، ولا هو من عادتي، إلَّا أن هذا العسكرَ كثيرٌ لا قدرةَ لي على حفظه، وربما بدَتْ منهم أفعالٌ لا أرضاها، وسأتقدم بما يَبينُ أَثَرهُ، ويَحسُنُ موقعُه. قال الكُنْدُريُّ: ومضيتُ من عنده، فلما كان وقت السحر استدعاني وقال لي: اعلَمْ أنني نِمْتُ البارحةَ وأنا مشغولُ الفكر في الرسالة، عالمٌ بأن ما يجري من هذا العسكر في رقبتي، وأنني مسؤولٌ عنه، فرأيت في منامي كأنني بمكة إذ شاهدتُ شخصًا وقع لي أنَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقصدتُه لأُسَلِّمَ عليه، فلوى وجهه عني، وبَعُدَ مني، وقال: قد ملَّكَكَ اللهُ البلاد والعباد، وجعل يدَكَ عليهم عالية، وأوامركَ فيهم نافذة ماضية، فأحسِنِ السيرةَ فيهم، وأجمِلِ المعاملةَ معهم، وامنعِ الأذى عنهم، وارفَعِ الظلمَ، واستأمِنْ هذا الجيش [، ثم استيقظتُ فزعًا من هذه الرؤيا التي] (¬1) قد روَّعتني، فاذهب إلى الديوان، واشرَحْ ما جرى، ففعل ذلك، فخرج جواب الخليفة
¬__________
(¬1) مكانها بياض في الأصل (خ)، وفي (ف) الكلام متصل من دون وجود هذا البياض! والخبر ليس في (م) و (م 1)، وما بين حاصرتين من الكامل 9/ 635.

الصفحة 503