كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 18)

بيان تأويل الطريق الذي يعرض للرجل، عن يمينه وعن شماله، وتأويل العمود والحَلْقَة
10055 - حدثنا محمد بن كثير الحراني، حدثنا محمد بن وهب أبو المعافى (¬1)، حدثنا محمد بن سلمة (¬2)، عن أبي عبد الرحيم (¬3)، قال: حدثني زيد بن أبي أنيسة، عن سليمان -يعني الأعمش (¬4) - عن سليمان ابن مسهر الفَزَاري، عن خَرَشَة بن الحُر، قال: دخلت مسجد المدينة، فأتيت حَلْقَة فجلست إليها، فقام منها رجل، فقالوا: من سَرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا؛ قلت: ومن هذا؟ قالوا: عبد الله بن سَلاَم (¬5)، قلت: والله لا أبرح حتى أعلم ما هيئة (¬6)
-[33]- هذا الرجل، فخرجت أتَلَوَّمُه (¬7)، أمشي خلفه حتى أتى منزله، فلما أتى منزله التفت فرآني، قال: هل لك حاجة؟ قلت: نعم، فقام حتى أتيته، قال: ما حاجتك؟ قلت: سمعت قومًا يقولون: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا، فأحببت أن أعلم ما هَيئتك، قال: الله أعلم بأهل الجنة، ولكن إن شئت أنبأتك لِمَ (¬8) قالوا ذلك، قلت: فأنبئني؟ قال: إنه أتاني في المنام رجل جَعْد (¬9)، فأخذ بيدي فانطلق بي يمشي، حتى أتى بي جَبلًا، قال: ارتق على هذا الجبل، فارتقيت هنيهة (¬10)، ثم خررت على استي -الله ما يكنى عن الاست- ثم قال: ارتق هذا الجبل، فارتقيت هنيهة، ثم خررت على استي، ثم قال: ارتق، فارتقيت هنيهة، ثم خررت على استي، فلما رآني لا أجيز
-[34]- فيه، أخذ بيدي فانطلق بي يمشي، حتى عَرَض لنا طرق، عن أيماننا، وطرق عن شمالنا، فأردت أن آخذ في الطريق عن شمالنا، فنازعني يدي، وأخذ بيدي في الطريق عن أيماننا، فانطلق بي يمشي حتى عرض لنا عمود، أصله في الأرض ورأسه في السماء، في أعلاه حَلْقَة، قال لي: ارتق على هذا العمود، قلت: والله ما أستطيع ذلك، فأخذني بيدي، فَزَجَل (¬11) بي زجلة، فإذا أنا متعلق بالحلقة، وضرب العمود فخرّ، فاستيقظت وأنا مستمسك بالحلقة، فأتيت نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فقصصت عليه رؤياي، فقال لي: "قد رأيت خيرًا، أما الجَبل، فمنازل الشهداء، لم تبلغهم، وأما الطريق عن أيمانكم، فطرق أهل الجنة، وأما الطرق عن شمالكم، فطرق أهل النار، وأما العمود فالإِسلام، وأما الحلقة فالعروة الوثقى، تموت وأنت مستمسك بها"، ثم قال: "تدري كيف خلق الله عَزَّ وَجَلَّ آدم"؟ قلت: لا، قال: "فإن الله عَزَّ وَجَلَّ خلق آدم، فقال: هذا آدم يولد له فلان، ويولد له فإن، ويولد لي فإن، ويولد لفلان فلان، ويولد لفلانة فلان، حتى أتى على ذريته، ورزقه كذا، وأجله كذا، وعمله كذا، ثم نفخ فيه الروح" (¬12).
-[35]- رواه جرير، عن الأعمش، مختصرًا. (¬13).
¬_________
(¬1) هو محمد بن وهب بن عمر بن أبي كريمة، أبو المعافى، الحراني، ت (243) هـ.
(¬2) ابن عبد الله، الباهلي مولاهم، الحراني، ت (191) هـ على الصحيح.
(¬3) هو خالد بن أبي يزيد بن سماك بن رستم، الأموي مولاهم، الحراني، ت (144) هـ.
(¬4) سليمان الأعمش هو موضع الالتقاء.
(¬5) بتخفيف اللام، من بني قينقاع، أسلم أول ما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وكان اسمه في الجاهلية: (الحصين)، فسماه النبي -صلى الله عليه وسلم-: عبد الله بن سلام. مات سنة (43) هـ.
انظر: الطبقات الكبرى (2/ 352، 353)، وأسد الغابة (3/ 176)، وفتح الباري (7/ 129).
(¬6) الهيئة: صورة الشيء وشكله وحالته. النهاية (5/ 285).
(¬7) تلوم: انتظر. والتلوم: التمكث. وقيل: من اللومة: وهي الحاجة. وتلوم: أسرع. وهو من الأضداد.
انظر: المجموع المغيث (3/ 195)، والنهاية (4/ 278).
(¬8) في نسخة (ل): (بم).
(¬9) الجعد في صفات الرجال يكون مدحا وذما: فالمدح معناه: أن يكون شديد الأسر والخلق، أو يكون جعد الشعر، وهو ضد السبط؛ لأن السبوطة أكثرها في شعور المعجم. وأما الذم فهو: القصير المتردد الخلق. وقد يطلق على البخيل أيضًا، يقال: رجل جعد اليدين. النهاية (1/ 275).
(¬10) هنيهة: قليل من الزمان. النهاية (5/ 279)، ولسان العرب (6/ 4713).
(¬11) زجل -بالزاي والجيم- أي رمى ودفع. انظر: النهاية (2/ 297)، وشرح النووي (16/ 262).
(¬12) أخرجه مسلم في صحيحه -كتاب فضائل الصحابة, باب من فضائل عبد الله ابن =
-[35]- = سلام رضي الله عنه - (4/ 1931، 1932/ حديث رقم 150)، دون زيادة: (ثم قال: "تدري كيف خلق الله آدم ... ".
وأخرجه البخاري في صحيحه -كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه - (7/ 129/حديث رقم 3813)، وأطرافه في (7010، 7014)، دون الزيادة المنبه عليها آنفا.
(¬13) هذا المعلق وصله مسلم في صحيحه, برقم (150) من كتاب فضائل الصحابة وفيه قصة رؤيا عبد الله بن سلام كاملة، فلعل أبا عوانة يقصد بالاختصار عدم ذكر قصة خلق آدم في الحديث. والله أعلم.
فوائد الاستخراج: زيادة قصة خلق آدم في الحديث.

الصفحة 32