كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 18)

باب إعلام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشيء قبل كونه، وعلامة نبوته في الريح، وطاعتها له، والحجارة وإيمانها به قبل أن يبعث
10072 - حدثنا أبو العباس الِبرْتِي القاضي (¬1)، وعباس الدوري، وأبو المثنى، وأحمد بن يحيى السابري، قالوا: حدثنا عبد الله ابن مسلمة بن قعنب (¬2)، حدثنا سليمان بن بلال، عن عمرو بن يحيى، عن عبّاس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبي حميد الساعدي، قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتينا وادي القُرَى (¬3)، على حديقة لامرأة (¬4)، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "اخرصوا" (¬5)،
-[49]- فخرصناها (¬6)، وخرصها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرة أوسق (¬7)، وقال: "أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله". وانطلقنا حتى قدمنا تبوك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ستهبُّ عليكم الليلة ريح شديدة؛ فلا يقم أحد منكم، ومن كان له بعير، فليشتدّ (¬8) عقاله، فهبّت ريح شديدة، فقام رجل (¬9)، فحملته الريح، حتى ألقته إلى جبلي طي (¬10)، وجاء
-[50]- رسول (¬11) ابن العَلْمَاء (¬12) -صاحب أَيْلَة (¬13) - إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتاب، وأهدى له (¬14) بغلة بيضاء؛ فكتب إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[بكتاب] (¬15)، وأهدى له (¬16) بُردا، ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى، فسأل [رسول الله
-[51]-صلى الله عليه وسلم-] (¬17) المرأة عن حديقتها: كم يبلغ (¬18) ثمرها؟ فقالت: بلغت عشرة أوسق، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني مسرع؛ فمن شاء منكم فليُسرع معي، ومن شاء فليمكث"، فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة؛ فقال: "هذه طابة، وهذا أحُدُ، وهو جبل يحبنا ونحبه"، ثم قال: "إن خير دور الأنصار، دار بني النجار، ثم دار بني الأشهل، ثم دار بني الحارث، ثم دار بني ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير"، فلحقنا سعد بن عبادة، فقال أبو أسيد (¬19): ألم تر أن رسول الله خيَّرَ دور الأنصار، فجعلنا آخرا؛ فأدرك سعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، خيّرت دور الأنصار فجعلتنا آخرا! فقال: "أوليس بحَسْبكم أن تكونوا من الخيار" (¬20).
¬_________
(¬1) هو: أحمد بن محمد بن عيسى بن الأزهر، أبو العباس البرتي.
(¬2) عبد الله بن مسلمة بن قعنب هو موضع الالتقاء.
(¬3) وادي القرى -بضم القاف، وفتح الراء، والقصر، جمع قرية- هو واد بين المدينة والشام، من أعمال المدينة، كثير القرى. والنسبة إليه: واديّ. ويعرف اليوم بـ (وادي العلا)، وهو مدينة عامرة، شمال المدينة المنورة، على قرابة (350 كيلا).
انظر: معجم البلدان (4/ 384)، (5/ 397)، ومعجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية (ص: 250).
(¬4) قال ابن حجر: لم أقف على اسمها في شيء من الطرق. الفتح (3/ 345).
(¬5) في نسخة (ل) وصحيح مسلم: اخرصوها.
و (اخرصوا) هو بفتح الراء وكسرها، والضم أشهر.
و (الخرص) -بفتح المعجمة، وحكي كسرها، وبسكون الراء، بعدها مهملة- =
-[49]- = هو حزر ما على النخل من الرطب تمرا.
انظر: النهاية (2/ 22)، وشرح النووي (15/ 43)، وفتح الباري (3/ 344).
(¬6) قال ابن حجر: لم أقف على اسم من خرص منهم. الفتح (3/ 345).
(¬7) (أوسق) جمع وسق -بفتح الواو، ويجوز كسرها -وهو ستون صاعا بالاتفاق.
انظر: النهاية (5/ 185)، وفتح الباري (3/ 311).
(¬8) في نسخة (ل) وصحيح مسلم: فليشد.
(¬9) ذكر ابن حجر أنه لم يقف على اسمه، وأن ترك اسمه كان عمدا. وأنه وصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قدم من تبوك. الفتح (3/ 345).
(¬10) في الأصل، ونسخة (ل): جبل. والتصويب من نسخة (هـ) وصحيح مسلم.
و (جبلا طيء) يقعان غريب (فيد)، و (فيد) في نصف طريق مكة من الكوفة.
والجبلان: هما (أجأ) -بفتح الهمزة، والجيم، والهمز، مقصور- و (سلمى) -بفتح أوله، وسكون ثانيه، مقصور-. وهما يشرفان على مدينة حائل، وهي مدينة عامرة اليوم، تبعد عن المدينة (400) كيلًا شمالًا.
و (طيء) -بفتح الطاء، وتشديد الياء، وهمزة في الآخر- قبيلة من كهلان، من القحطانية، وهم بني طيء بن أدد. =
-[50]- = انظر: معجم البلدان (1/ 119, 269)، و (4/ 320)، وشرح النووي على صحيح مسلم (15/ 44)، ونهاية الأرب (ص 297)، ومعجم المعالم الجغرافية (ص: 17).
(¬11) رسول ابن العلماء لم أقف على من عينه.
(¬12) العلماء -بفتح العين المهملة، وإسكان اللام، وبالمد- لعله اسم أمه. وأما اسمه هو فهو: يوحنا بن روبة.
و (يوحنا) هو بضم التحتانية، وفتح المهملة، وتشديد النون.
و (روبة) هو بضم الراء، وسكون الواو، بعدها موحدة.
انظر: شرح النووي (15/ 44) -وفيه ضبط (العلماء) فقط- وفتح الباري (3/ 345).
(¬13) أيلة -بفتح الهمزة، وسكون التحتانية، بعدها لام مفتوحة- بلدة قديمة على ساحل بحر القلزم -البحر الأحمر- فيما يلي الشام، وهي اليوم تسمى مدينة العقبة، وهي ميناء المملكة الأردنية الهاشمية.
انظر: معجم البلدان (1/ 347)، وفتح الباري (3/ 345)، و (11/ 470)، ومعجم المعالم الجغرافية (ص: 35).
(¬14) في نسخة (ل): إليه.
(¬15) من نسخة (ل).
(¬16) في ل: إليه.
(¬17) من نسخة (ل).
(¬18) في نسخة (ل) وصحيح مسلم: كم بلغ.
(¬19) أبو أسيد -بالتصغير- هو الساعدي، مشهور بكنيته، واسمه: مالك بن ربيعة ابن البدن، البدري، آخر البدريين موتا.
انظر: الإصابة (6/ 23، 24/ ترجمة 7622)، وفتح الباري (7/ 115).
(¬20) أخرجه مسلم في صحيحه -كتاب الفضائل، باب في معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- (4/ 1785، 1786/ حديث رقم 11).
وأخرجه البخاري في صحيحه -كتاب فضائل المدينة، باب: المدينة طابة (4/ 88/ حديث رقم 1782) مختصرًا، وأطرافه في (1481 بطوله، 3161، =
-[52]- = 3791، 4422).
فوائد الاستخراج: ذكر دار بني الحارث على الصواب، بينما جاء في صحيح مسلم هكذا: (دار بني عبد الحارث) بزيادة (عبد)، قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ (بني عبد الحارث)، وكذا نقله القاضي، قال: وهو خطأ من الرواة، وصوابه: (بني الحارث) بحذف لفظة (عبد) ا. هـ. شرح النووي (15/ 44، 45).

الصفحة 48