كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 18)

عليه (فشدد اللَّه عليهم) وأعجزهم عما راموه وقصدوه، وانقطعوا عن العمل.
والمراد من الحديث: التحضيض على ملازمة الرفق والاقتصار على ما يطيقه العامل ويمكنه الدوام عليه.
(فتلك بقاياهم) أي: بقايا هؤلاء الذين شددوا على أنفسهم (في الصوامع) أي: صوامع الرهبان (والديار) كذا للمصنف ولغيره. والديارات للنصارى جمع دير، قال الجوهري: دير النصارى أصله الواو، ويجمع على أديار (¬1).
({وَرَهْبَانِيَّةً}) انتصابه بفعل مضمر، يدل عليه ما بعده، كأنه قال: ابتدعوا رهبانية. أي: جاؤوا بها من قِبل أنفسهم، وتلك الرهبانية غلوهم في العبادة من تحملهم المشاق على أنفسهم في الامتناع من المأكل والمشرب والملبس والنكاح وتعبدهم في الجبال ({مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}) (¬2) ما فرضناها عليهم، ولا سنها لهم نبي (¬3) مرسل، بل جاؤوا بها من قبل أنفسهم، وقد جاءت أحاديث في الصحيحين وغيرها تدل على هذا، فنسال اللَّه تعالى حسن الاتباع، ونعوذ باللَّه من شؤم الابتداع.
فإن قيل: فما وجه المناسبة بين الحديث والترجمة؛ إذ ليس في الحديث ذكر الحسد؟ فالجواب: يحتمل -واللَّه أعلم- أن هؤلاء اليهود
¬__________
(¬1) في (ل)، (م): ديورة. وما أثبتناه كما في "الصحاح" 2/ 661.
(¬2) الحديد: 27.
(¬3) ساقطة من (م).

الصفحة 654