كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 18)

(ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ) مفهوم دليل خطابه أن الهجرة دون الثلاث معفو عنها؛ لأن البشر لا بد له غالبًا من سوء الخلق وغضب، فسامحه الشرع فيه في هذِه المدة؛ لأن الغضب فيها لا يكاد الإنسان ينفك عنه، ولأنه لا يمكنه رد الغضب في هذِه المدة غالبًا، وظاهر الحديث تحريم الهجرة فوق ثلاث، وأكد هذا المعنى قوله: "لا هجرة بعد ثلاث" (¬1).
وقيل: إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجرة ثلاثًا (¬2)، وهذا عند من لا يحتج بدليل الخطاب، قال أصحابنا: لو كاتبه أو راسله عند غيبته عنه هل يزول إثم الهجرة؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يزول؛ لأنه لم يكلمه. وأصحهما: يزول؛ لزوال الوحشة (¬3).
[4911] (ثنا عبد اللَّه بن مسلمة) القعنبي (عن مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب) خالد بن زيد (الأنصاري -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه) المسلم (فوق ثلاثة أيام) لما تقدم. والثلاث أقل مراتب العدد.
(يلتقيان) في الطريق (فيعرض هذا) عن صاحبه (ويعرض هذا) عنه (وخيرهما الذي) يكسر نفسه (يبدأ بالسلام) أي: أفضلهما وأكثرهما ثوابًا عند اللَّه.
وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام باللفظ
¬__________
(¬1) رواه مسلم (2562) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
(¬2) في (ل)، (م): ثلاث. والمثبت هو الصواب.
(¬3) انظر: "الحاوي الكبير" 15/ 447، "المهذب" 2/ 137.

الصفحة 667