كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 18)

حظه وغرضه الذي هو متشعب عنه في حقيقة الأمر، وإنما يتعلل ظاهرًا بالإصلاح، وهذا يكتب عليه كذبة ويحاسب عليه.
(والرجل يقول) الكذب (في الحرب) لأن الحرب خدعة، وهو من الخديعة (والمرء يحدث امرأته) فيعدها بإعطاء شيء أو كسوة ونحوها، وله أن يصلح بين الضرائر من نسائه، بأن يظهر لكل واحدة أنها أحب إليه، أو كانت امرأته لا تطيعه إلا بوعد ما لا يقدر عليه، فيعدها في الحال تطييبًا لقلبها (والمرأة تحدث زوجها) بالكذب إذا احتاجت إليه، وقد اختلفوا في المراد بالكذب المباح ما هو؟ فقالت طائفة: هو على إطلاقه. وأجازوا قول ما لم يكن للمصلحة، وقالوا: الكذب المذموم ما فيه مضرة، واحتجوا بقول إبراهيم -عليه السلام-: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} (¬1)، {إِنِّي سَقِيمٌ} (¬2)، وقوله: إنها أختي (¬3). وقول منادي يوسف لأجل المصلحة: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} (¬4).
وقال الطبري وغيره: لا يجوز الكذب الصريح في شيء من الأشياء لا في هذِه الثلاث، ولا في غيرها، تمسكًا بالقاعدة الكلية في تحريمه، وتأول هذِه الأحاديث على التورية والتعريض، وهو تأويل لا يعضده دليل، ولا تعارض بين العموم والخصوص، كما هو عن العلماء منصوص.
¬__________
(¬1) الأنبياء: 63.
(¬2) الصافات: 89.
(¬3) رواه البخاري (2217)، ومسلم (2371) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
(¬4) يوسف: 70.

الصفحة 685