كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 18)

(فصنع مثل هذا) أي: فوضع أصبعيه في أذنيه، ونأى عن الطريق.
واحتج الجمهور بهذا الحديث على التحريم كما تقدم، واحتج من أباحها بأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمر ابن عمر بسد أذنيه، ولا قال ابن عمر لنافع: أتسمع؟ ولو كان ذلك منهيًّا عنه لم يأمره بالاستماع، ولو كان حرامًا لنهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الراعي عن ذلك، وصرح له بتحريمه؛ لأنه الشارع المأمور ببيان الشرائع، فدلى على أنه إنما سد أذنيه تنزيهًا أو كان في حال ذكر أو فكر، وكان السماع يشغله، وأي نية أحوجته أن يأخذ في طريق آخر، ولأن التأخير عن وقت الحاجة لا يجوز بحال.
وأجيب بأن تلك الزمان لم تكن هذِه الشبابات المثقوبة التي فيها أنواع من النغمات والطرب المحرك للشهوات، وبأنه إنما لم يأمر ابن عمر -رضي اللَّه عنه- بسد أذنيه؛ لأنه قد تقرر أن أفعاله -صلى اللَّه عليه وسلم- حجة كما أقواله، فلذلك بادر ابن عمر إلى سد أذنيه تأسيًا به -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ هو أشد الصحابة تأسيًا به.
(قال أبو علي) اللؤلؤي (سمعت أبا داود) المصنف (يقول: هو حديث منكر) فاسد؛ لأن سليمان بن موسى الأموي الدمشقي تكلم فيه أهل النقل وتفرد بهذا الحديث عن نافع، ولم يروه عنه غيره.
قال البخاري: سليمان بن موسى عنده مناكير (¬1). لكان قال عطاء بن أبي رباح: سيد شباب أهل الشام سليمان بن موسى (¬2) (¬3).
¬__________
(¬1) "التاريخ الكبير" 4/ 39 (1888).
(¬2) بعدها بياض في (ل)، (م) بمقدار كلمتين.
(¬3) "تهذيب الكمال" 12/ 94 - 95 (2571).

الصفحة 697